الرسالة البابوية
لعيد القيامة المجيد
2025
قداسة البابا تواضروس الثاني
+الأمين مثقل بأشياء كثيرة جداً. نفّذ ما تقدر عليه و ما يسمح به وقتك بقدر إمكانك.
+يجب على كل أمين أن يراجع نفسه فى علاقاته مع الخدام، و لا يكون ثقيلا عليهم، و تكون علاقته طيبة بهم .
+إحساس طبيعى انه إن عدنا أطفال و فتيان نكون أفضل بحثاً عن النقاوة و صفاء و راحة البال و عدم تحمل المسئولية. كنيستنا عجيبة فهى عندما تحب شخص ما تعطيه مسئولية أكبر، فهذا نوع من النزوع للطفولة و لكن يجب ان نكبر فهذا وضع طبيعى .
+حياتنا و كنائسنا كلها فى يد ربنا – بس شوية حرص لا أكثر.
مقالات
في قلب التاريخ، وعلى ضفاف النيل المقدس، ولدت أمة صنعت المجد من الطين، وصاغت الإيمان من الدموع والنور.. إنها مصر، أرض الأنبياء والقديسين، التي حملت في رحمها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، كنيسة الشهداء والنساك، التي لم تكن يومًا مجرد طائفة، بل شعب حي، سليل الفراعنة، وأولاد النور، الذين حافظوا على إيمانهم كما يحافظ النيل على نبض الأرض.
وما بين الماضي والحاضر، تتجلى أمامنا لحظة منيرة، نحتفل فيها بمرور سبعة عشر قرنًا على مجمع نيقية المسكوني الأول، ذلك المجمع الذي خط فيه التاريخ الروحي منعطفًا خالدًا، وكان بطله القديس أثناسيوس الرسولي، ابن هذه الأرض، وتلميذ مدرسة الإسكندرية، الذي وقف بجرأة لا تلين، مدافعًا عن إلهية المسيح، حارسًا لعقيدة التجسد، ومرسخًا لجوهر الإيمان الأرثوذكسي إلى أبد الدهور.
لم تكن مصر بلدًا عاديًا في خريطة العهد القديم والجديد. فهي التي دعا الرب منها ابنه كما يقول هوشع النبي: “من مصر دعوت ابني”. وهي التي دخلتها العائلة المقدسة، فارتجفت أوثانها، وتفجرت ينابيعها، وسجدت أشجارها أمام الطفل الإله.. سارت العذراء ويوسف والطفل يسوع في دروبها، من الفرما إلى سمنود، ومن المطرية إلى جبل قسقام، حتى ارتسمت خريطة الخلاص على وجه أرضها.
هذا الحدث الإلهي لم يكن فقط زيارة، بل تأسيسًا. فالمذبح الذي أقيم في وسط أرضها، كما تنبأ إشعياء، صار كنيسة حية، والكرسي الذي عند تخمها صار منارة تضيء العالم كله، إنه كرسي مار مرقس الإنجيلي، تلميذ المسيح ورسوله، الذي جاء إلى الإسكندرية ليغرس البشارة الأولى، ويسغل شعلة لا تنطفئ.
الكنيسة القبطية هي استمرار حي لشعب امتلك الحضارة قبل أن تكتب الكتب، وصنع المعابد قبل أن تعرف الأديان. إنهم القبط، أبناء “كيم” الأرض السوداء، الذين تكلموا اللغة القبطية، سليلة الهيروغليفية، وصنعوا الأديرة في قلب الصحراء، وملأوا البراري بالترانيم.
من مدرسة الإسكندرية التي أنارت العالم بالفكر والفلسفة واللاهوت، إلى صلوات الأنبا أنطونيوس في مغارته، إلى صلابة أثناسيوس في مجمع نيقية، إلى كتابات الأنبا شنودة التي نقت اللغة والضمير… لم يتوقف الأقباط عن صنع الحياة من الإيمان.
في نيقية عام 325م، حين اجتمع العالم المسيحي ليحسم جوهر الإيمان، كان فتى مصري شاب هو الصوت الأعلى، والموقف الأشد رسوخًا. إنه أثناسيوس، الذي لم يرهب الإمبراطور ولا المبتدعين، بل قالها واضحة: “هذا تجديف!”. وقد دعي منذ ذلك الحين “حامي الإيمان”، بل قالوا عنه: “أثناسيوس ضد العالم”، لأنه وقف وحده، فانتصرت الكنيسة من بعده.
هذا المجمع العظيم، الذي وحد الكنيسة الجامعة على قانون الإيمان الذي ما زلنا نتلوه حتى اليوم، لم يكن ليكتمل دون شهادة أثناسيوس، الذي حمل الإيمان في قلبه، كما حملت مصر العذراء في قلبها.
من مصر أيضًا، انطلقت الرهبنة إلى المسكونة، كان الأنبا أنطونيوس نجمًا يضيء ظلمة البرية، يعيش بالخبز والماء، ويصلي حتى يذوب الجبل. ثم جاء باخوميوس ليجعل من الوحدة حياة شركة.. وهكذا صار الرهبان المصريون معلمين للعالم كله من الشرق إلى الغرب، اقتفى الجميع أثر أولئك النساك الذين جعلوا من مصر منبعًا للقداسة.
اللغة القبطية، التي بقيت إلى اليوم لغة الصلاة والتسبيح، هي روح شعب.. هي صدى المسلات، ونغم الكرازة، ولسان الإنجيل حين ترجم أول مرة إلى لسان المصريين كتب بها الآباء صلواتهم، ودونوا قوانينهم، وبها تقام الليتورجيا المقدسة إلى يومنا هذا، شاهدًا على استمرارية شعب لم يمت.
رغم الغزاة، والاحتلال، والاضطهاد، والمآسي، بقيت الكنيسة القبطية واقفة. حرقت كنائسها، وذبح كهنتها، وسجن باباواتها، لكن صليبها بقي عاليًا. كما قال القديس البابا كيرلس السادس ذات يوم: “الكنيسة القبطية لا تموت، لأنها قائمة على دم الشهداء”.
ونحن نحتفل بمرور 17 قرنًا على مجمع نيقية، نعيد اكتشاف جذورنا. لسنا أقلية، ولسنا طائفة. نحن مصر، نحن شعبها القديم، ولسانها الباقي، وإيمانها العابر للدهور. نعيش ونموت على رجاء القيامة، كما علمنا القديس مرقس، ونصلي من أجل العالم كما فعل أثناسيوس، ونسلك البرية كما سار أنطونيوس، أما اليوم، ما زال صدى صوت قداسة البابا تواضروس الثاني يرن في أذني، وهو يجول بين الشعوب، يصنع محبة أينما حل، ينثر بذور السلام، قائلاً بثبات وإيمان: “نحن لسنا أقلية، نحن أبناء هذا الوطن، ونحن كنيسة حية” كلماته أمام شعوب العالم تعلن من قلب يحمل مصر في أعماقه، وكنت، كلما سمعت صوته ونظرت إلى عينيه، أرى أثناسيوس الجديد، بقوة الإيمان، بجرأة الحق، وبوداعة الراعي الذي لا يعرف التراجع عن حب كنيسته وشعبه.
يا مصر، يا أرض المجد، يا أم الكنائس ويا أم العائلة المقدسة، ها نحن نحتفل اليوم بمرور سبعة عشر قرنًا على مجمع نيقية، لا لنفتخر فقط بتاريخنا، بل لنشهد على أمانتنا، ولنقول للعالم: إن كنيسة الإسكندرية لا تزال حية، تنبض بالإيمان، وتحمل النور الذي بدأه مرقس وأثبته أثناسيوس وسار فيه آلاف الشهداء..
“مبارك شعبي مصر”… وما زلنا نحن هذا الشعب المبارك
This page is also available in:
English
Français
Italiano
Nederlands
Deutsch
Ελληνικα
Español