الرسالة البابوية
لعيد القيامة المجيد
2025
قداسة البابا تواضروس الثاني
+الأمين مثقل بأشياء كثيرة جداً. نفّذ ما تقدر عليه و ما يسمح به وقتك بقدر إمكانك.
+يجب على كل أمين أن يراجع نفسه فى علاقاته مع الخدام، و لا يكون ثقيلا عليهم، و تكون علاقته طيبة بهم .
+إحساس طبيعى انه إن عدنا أطفال و فتيان نكون أفضل بحثاً عن النقاوة و صفاء و راحة البال و عدم تحمل المسئولية. كنيستنا عجيبة فهى عندما تحب شخص ما تعطيه مسئولية أكبر، فهذا نوع من النزوع للطفولة و لكن يجب ان نكبر فهذا وضع طبيعى .
+حياتنا و كنائسنا كلها فى يد ربنا – بس شوية حرص لا أكثر.
مقالات
من قلب التاريخ، وعلى أرض مصر المباركة التي خرج منها صوت أثناسيوس منذ سبعة عشر قرنًا، اجتمع الآباء البطاركة من جديد ليعيدوا للعالم مشهد الوحدة والأيمان الذي لا يعرف سقوطًا. هناك، في وادي النطرون، وفي أحضان دير القديس الأنبا بيشوي، حيث الرهبنة القبطية لا تزال تهمس بصمتها الأزلي، التقت الأرواح، ورفعت الصلوات، وتحدثت المحبة بلغة لا يفهمها إلا من حفظ الإيمان، وتمسك به وحافظ عليه وسجد له.
في يوم الجمعة، ١٦ مايو ٢٠٢٥، حين استقبل قداسة البابا تواضروس الثاني، من قلب مركز لوجوس، أخويه في الإيمان، صاحبي القداسة مار إغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، والكاثوليكوس آرام الأول كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكيا في أنطلياس بلبنان. استقبل الوفدان في أجواء روحية مملؤة بفرح اللقاء، واتجه الجميع إلى كنيسة التجلي، وهناك، تحت قبابها المضيئة ببخور الصلاة، ارتفعت تسبحة الشكر، وكأن السماء وافقت على هذا اللقاء، وأرسلت نعمتها تمهيدًا لما سيأتي.
وفي اليوم التالي، السبت ١٧ مايو، لم يكن الزمن مجرد دقائق تمر، فكان روحًا تتجدد. جلس الرعاة في اجتماعهم المجمعي الخامس عشر، في عمق قلب الصحراء، يتحدثون عن القضايا المصيرية للكنيسة. ناقشوا الاحتفال بمرور ١٧٠٠ عام على مجمع نيقية، وتباحثوا بشأن العلاقات بين الكنائس الأرثوذكسية والمجالس المسكونية، وتناولوا التحديات المتصاعدة في الشرق الأوسط: من الحرب والشتات، إلى الهجرة والانكماش الكنسي.
وفي بيانهم الختامي، كانت كلماتهم حية، نابضة، ومسؤولة. دعوا إلى إنهاء العدوان على غزة، وعبروا عن قلقهم من النزاعات المتفجرة، ووجهوا أنظارهم بتقدير إلى استقرار مصر، وعن دخول لبنان مرحلة جديدة بانتخاب رئيس جديد، ورجاء في أن يعود السلام إلى سوريا. لكن الرسالة الأقوى كانت في الإصرار على: أن تبقى الكنيسة في الشرق رغم كل شيء. ألا يغادر الكهنة، وألا يصمت الإيمان، وأن يظل صوت الإنجيل يعلو فوق الرماد.
وفي مشهد أعاد مشاهد المحبة والحفاظ على الإيمان في مجمع نيقية، عقد في المساء اجتماع للمجامع المقدسة، شارك فيه عشرة من المطارنة والأساقفة من كل كنيسة. استهل اللقاء بتلاوة قانون الإيمان، ثم تلا قداسة البطريرك مار اغناطيوس أفرام الثاني القوانين العشرين لمجمع نيقية باللغة العربية، وقرأها قداسة الكاثوليكوس آرام الأول باللغة الإنجليزية. في مشاهد جسدت تسليمًا حيًا من جيل إلى جيل، من الذين صاغوا الإيمان إلى الذين يحيونه اليوم في عالم مضطرب، لا يحتاج فقط إلى عقيدة، بل إلى شهادة محبة.
ثم جاء الأحد، ١٨ مايو، يوم الفرح الأكبر؛ هنا الخروج من المقر البابوي ولحظة تفتح فيها التاريخ.. من بهو المقر البابوي بالكاتدرائية المرقسية بالقاهرة، بدأت اللحظة التي ستتحدث عنها أجيال. كان صباح يكتبه التاريخ بنفسه. كان صمت الترقب المقدس يملأ الفناء، ثم انفتحت أبواب المقر، وخرج الآباء البطاركة الثلاثة قداسة البابا تواضروس الثاني، وقداسة البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني، وقداسة الكاثوليكوس آرام الأول ، تتقدمهم نظرات المحبة وتحتضنهم صلوات الملايين.
اصطف الشمامسة على جانبي السجادة الحمراء، يرتلون ألحان “إبؤرو” بأصوات تعانق السماء. مشى الموكب بوقار من يحملون عبء الكنيسة ومجدها، بينما المطارنة والأساقفة يسيرون أمامهم بفرح عظيم وسط الشعب، كأن الزمن بأكمله يتبع هذه الخطى، نحو مذبح الكاتدرائية، ونحو لحظة سيكتبها التاريخ.
وعند مدخل الكاتدرائية، توقفت الخطى قليلًا، لتلتقط الصورة التذكارية، فكانت وثيقة عهد جديد، ستتذكرها الأجيال كما تتذكر أيقونة نيقية… وهنا وقفنا داخل الكاتدرائية وسط الشعب، فرأينا فرحتهم وهم يصفقون ويهتفون. نساء يزغردن وعيونهن دامعة، وأطفال يلوحون بالزهور التي كانت تملأ الكنيسة، وشيوخ يبتسمون كمن رأى الحلم يتحقق.
ثم ارتفعت الأجراس، وصار المكان كله يرتجف بالمجد، وانطلقت الأرجل إلى داخل الكاتدرائية، إلى القداس الذي أعلن قيامة جديدة لوحدة الكنيسة وإيمانها.
النور الذي تسلل من الزجاج الملون اختلط ببخور الصلاة. لم يكن المذبح يتسع لثلاثة بطاركة فقط، بل لسبعة عشر قرنًا من المجامع، والشهداء، والمعترفين، والمبشرين.. قرأ البطاركة الثلاثة إنجيل القداس بلغات كنائسهم – العربية، والسريانية، والأرمنية – في مشهد لا يتكرر، هنا الكنيسة الجامعة تنطق بفم واحد، وتبشر بمسيح واحد، وتؤمن بإيمان واحد.
ثم ألقى قداسة البابا تواضروس عظة امتزج فيها التاريخ بالنبض، قال فيها: “هذا اليوم يجب أن يسجل في تاريخ الكنيسة، حيث نجتمع معًا، البطاركة والأساقفة، على غرار مجمع نيقية. ما حصلته من محبة على الأرض، هو ما يفتح لك باب السماء. الله لا يطلب منا سوى المحبة… المجمعية، التلمذة، قانون الإيمان، هي أعمدة نيقية التي نستعيدها اليوم.”
ثم تحدث قداسة مار إغناطيوس أفرام الثاني، فافتتح كلمته بتحية القيامة بثلاث لغات، وقال: “إن السماء اليوم تفرح أكثر من فرحنا على الأرض. الرسل الذين أسسوا كراسينا، والآباء البطاركة السابقون، جميعهم يفرحون بهذا المشهد، الذي هو تتويج للوحدة في الإيمان. هذا ليس حدثًا لحظيًا، بل بداية تاريخ جديد.”
أما قداسة الكاثوليكوس آرام الأول، فقال: “الوحدة ليست مشروعًا إنسانيًا، بل عطية من الله. هذه اللحظة تظهر أن الكنيسة، رغم الآلام والتاريخ الطويل من الشدائد، ما زالت تحمل الإيمان وتعيش له، وتنقله للأجيال بمحبة وثبات.”
في القداس، وقع الآباء البطاركة على وثيقة ثلاثية، تؤرخ لهذا اليوم الفريد، وتحفظه للأجيال القادمة، وبعد نهاية الصلوات توجه الموكب البطريركي إلى مزاري القديس مار مرقس الرسول والقديس البابا أثناسيوس الرسولي، ووقفوا أمام الكاروز وبطل نيقية، وصلوا في صمت، كما لو أن أثناسيوس يبارك الحدث من عليائه، ويقول: “الإيمان الذي دافعت عنه، لم يُنس، بل يحتفل به الآن بين إخوتك.”
وفي مساء اليوم ذاته، أقيم الاحتفال الرسمي في مسرح الأنبا رويس بالكاتدرائية، تحت شعار “محبة واحدة بنفس واحدة”. امتلأت المكان بالمحبة، وتناوبت فرق الكشافة، والكورالات، والوثائقيات على رواية قصة نيقية بلغة الفن والروح. عرض فيلم “مجمع نيقية” من إنتاج راهبات دير مار جرجس، وفيلم “حراس الوديعة” من المركز الإعلامي للكنيسة القبطية، ثم أعلن قداسة بطريرك الروم الأرثوذكس تخصيص عام ٢٠٢٥ لتكريم أثناسيوس الرسولي.
وفي ختام الاحتفال، تحدث قداسة البابا تواضروس الثاني بكلمات حملت أعماقًا: “ما عشناه في هذه الأيام هو عمل نعمة، وبرهان محبة، وتجديد عهد. شكرًا لكل من شارك بمحبة، لأننا نصنع بالحب ما لا تصنعه العقود.”
هنا توقفت، بعد أن أختتم اللقاء، ونظرت لكل ما حدث، وأدركت أنها لم تكن هذه الأيام مجرد ذكرى، بل حياة متجددة في قلب الكنيسة. لم يكن هذا اللقاء تكرارًا لماض، بل تأسيسًا لمستقبل. على أرض مصر، حيث خرج أثناسيوس ذات يوم ليدافع عن “إله حق من إله حق”، وقفت الكنيسة من جديد لتقول: “ما زلنا نحمل هذا الإيمان، وما زلنا نحميه بالحب، وبالصلاة.”.. في الكاتدرائية بالقاهرة، كما في نيقية، اجتمع البطاركة، لكن هذه المرة لم يكونوا يواجهون بدعة، بل يقدمون شهادة. شهادة حاملها قداسة البابا تواضروس على عاتقته “أن المحبة لا تسقط أبدًا”، حقيقي كنيسة نيقية ما زالت تحيا في مصر، وكنيسة مصر تحيا من أجل كل العالم.
This page is also available in:
English
Français
Italiano
Nederlands
Deutsch
Ελληνικα
Español