اليهود لما يصنعه المسيح ويخدم الناس به من خال المعجز ا ت والتعاليم والأمثال والأفعال والمقابلات. صحيح كان السبت وصية من ضمن الوصايا العشر كما هو مُدوَّن في سفر الخروج الأصحاح العشرين «.. اُذكر يوم السبت لتقدّسه. ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك » (خروج 8:20 و 9). وكلمة «سبت » عبر ا نية الأصل ومعناها « را حة »، وكان القصد من الوصية هو أن يستريح الإنسان من كل أعماله تذكا ر اً لليوم السابع الذي استر ا ح فيه الرب من الخليقة (تكوين 1:2 – 3 وخروج 22:16 -30) . وتطوّر الأمر في فكرهم إلى حرفية جامدة با أي منطق، وعلى هذا فإنه عندما كسر أحد اليهود السبت قتلوه بدون رحمة (عدد 32:15 – 36 )؛ لقد كانوا يعبدون السبت وليس رب السبت.
كان السبت في أزمنة العهد القديم ذوا جانبين: أحدهما ديني، والآخر اجتماعي لإ را حة العُمّال والمشتغلين والعبيد (تثنية 12:5 – 15)، وبقى اليهود يحفظونه، ثم تطرّفوا في ذلك حيث حفظوه حرفيًا وليس روحيًا، وصارت حرفيتهم في حفظ السبت تتقدم على أعمال الرحمة والشفقة والإنسانية التي كان يصنعها المسيح في خدمته، حتى صار موضوع «حفظ السبت » هو مادة النزاع الأولى بينه –له المجد– وبين شيوخ اليهود من الفريسيين والكتبة والصدوقيين ومعظم الطوائف اليهودية. لم يجرّد المسيح يوم السبت من قيمته كيوم للعبادة، حيث ذهب دومًا إلى المجامع للصلاة في يوم السبت (لوقا 16:4 )، ولكنه كان يتحنّن ويعمل المعج ا زت في يوم السبت لأنه رب السبت (مرقس 28:2 )، وكان يريد يوم السبت أن يكون يوم الخدمة وعمل الرحمة. وصارت القضية عبر التاريخ المسيحي من الناحية الرمزية أن يوم السبت يمثل الإنسان صاحب الجمود الفكري والقلبي والر ا فض لمتغير ا ت العصر، والذي يعيش في هذا الزمان وعقله وفكره ومشاعره وإحساساته تعيش في أزمنة قديمة مضت، دون م ا رعاة لما يتطوّر في مسيرة الحياة الإنسانية. هو أيضًا الذي يتمسك بالحرفيات والشكليات دون أن يُعمِل العقل ويواجه زمنه بكل تطو ا رته. وبالطبع حديثي ليس عن المُسلَّمات الإيمانية والعقائدية المستقيمة التي هي وديعة الإيمان المستقيم، والتي تسلّمناها من أب ا رر وقديسين عاشوا بها ودافعوا عنها وحفظوها بدمائهم ودموعهم وعرقهم، هذا الإيمان المستقيم المحفوظ في قلوبنا عبر القرون. ولكني أتحدث عن هؤلاء الذين جعلوا «السبت » إلهًا لهم بسبب قصور فهمهم لطبيعة الحياة الإنسانية، وطبيعة الله الخالق الذي يريد أن الجميع يخلصونوإلى معرفة الحق يقبلون (تيموثاوس الأولى4:2 )، لأنهم خلطوا بين الإيمانيات العقائدية الثابتة، وبين متغير ا ت الفنون والثقافة والفلكلور والموروثات الشعبية والأقوال البالية سواء فكر اً أو فعلاً.. هؤلاء ينقصهم العلم والفهم والمعرفة، فضاً عن غياب الرحمة والمحبة والتعاطف
من قلوبهم، ليحلّ محلّها القوة والك ا رهية والرفض وعدم القبول. ويتمادى هؤلاء فيتحدثون على أساس أنهم فقط الموكل لهم الشرح والحديث والكلام، حاسبين ذواتهم أفضل من كل أحد.
ومن هنا يمكن أن نوضّح أربعة صفات تشرح عقلية هؤلاء الذين يعيشون الحرفية ولم يمت السبت من فكرهم، وذلك بناء على النص الإنجيلي (مرقس 14:2 – 28 )، ونقارن ذلك مع خادم الإنسان:
أولاً: خادم السبت يحب الطقس ويجلّه لذاته، ويراه الهدف والغاية، ويتمسك به ويغالي في الدفاع عنه. أمّا خادم الإنسان فإنه يعي أن السبت إنما جُعِل لأجل الإنسان، لا الإنسان لأجل السبت (مرقس 27:2 )، وبالتالي فإنه يرى الطقس خزا نة تراثية للاهوت، ووعاءً ثقافيًا محليًا لفكر وإيمان الكنيسة، وبذلك اهتمامه بالمحتوى قبل الوعاء. وحيث أن كنيستنا تمتد إلى أقاصي المسكونة في لغات مختلفة ومُناخ مختلف وعادات وثقافات عديدة تجبرنا أن نحترم الثقافات المحلية، لأن الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا (يوحنا 24:4 ).
ثانيًا: خادم السبت يذيب المسيح فى شخصه ليظهر هو بذاته وكبريائه، وتضيع صورة المسيح من كلامه وألفاظه وأسلوبه وحياته، لأنه يهتم بربط الناس به وليس بشخص المسيح، وتغيب الأبوة المطلوبة، وتظهر الشعبية الرديئة. أمّا خادم المسيح فيذيب نفسه في شخصالمسيح، ويتلاشى بجوار المسيح، وينطبق عليه قول المعمدان في (يوحنا 3:3) «ينبغي أن ذلك يزيد وإني أنا أنقص »، لأنه إن لم يفعل ذلك تتحول الخدمة إلى وظيفة وتظهر الانشقاقات المخزية، وويل لذلك الإنسان الذي به تأتي العثر ا ت (متى 7:18 ) «إننا لسنا نكرز بأنفسنا، بل بالمسيح يسوع ربًا » (كورنثوس الثانية 5:4 ).
ثالثاً: خادم السبت شديد الثقة بنفسه، يتحدث وكأنه صوت الحقيقة المطلقة، ولأنه في ذاته يشعر بأنه يعلم كل شيء، وبالتالي يصمّ آذانه عن أي معرفة جديدة أو أي تصحيح لأفكاره المريضة. في قلبه قساوة تجاه الآخرين وهم في عينيه أقل منه فهمًا ومعرفة وعلم.
أمّا خادم الإنسان فهو بسيط وتقي، لا يقول إلّ صلاة العشار: «اللهم ارحمني أنا الخاطئ »، ودائمًا يعاتب نفسه ويتوب ويتضع، وبسبب هذه تنمو الخدمة وتثمر بسبب نظرته الإيجابية للأمور.
را بعًا: خادم السبت دائمًا في حالة صراع ومعارك جانبية وانقسام، ولا يصنع سامًا بسبب ذاته المنتفخة، ويعطل عمل الكنيسة ويعوِّق تقدمها وتفاعلها، وهو الذي يضع السراج تحت المكيال بدل أن يكون نور العالم. أمّا خادم الإنسان فهو أداة في يد الله، ثمره مبارك، يبني كنيسة الله الحي، ويمتد عمل الملكوت على يديه في سام وانسجام وطاعة قلب واتضاع فكر، وتظهر بالحقيقة رائحة المسيح في حياته. وأريدك عزيزي القارئ أن تقرأ البشائر الأربعة، وتجمع كل ما صنعه المسيح يوم السبت، حتى تفهم كيف مات هذا الرمز في خدمة المسيح، وكيف ماتت الحرفية والناموسية، وحلّت المحبة والرحمة والخدمة لكل إنسان، ومن له أذنان للسمع فليسمع ما يقوله الروح لنا.