حضرت في الأسابيع الماضية عدة فعاليات متنوعة ما بين الإسكندرية والقاهرة، تدور جميعها حول عمل الكنيسة في الرعاية لكل مجالاتها العديدة، ووجدت أنها صور الحب الحقيقي الذي يستطيع أن يقدمه أشخاص تُطلق عليهم «مُحبّي التكريس » سواء شباب أو شابات، وهم الذين أرادوا أن يقدموا حياتهم كأوانٍ مختارة للمسيح الذي أحبهم، فبادلوه حبًا بحب من خلال تخصيص كل أوقاتهم في أحد مجالات الرعاية أو على الأصح في أحد مجالات الإيمان العامل بالحب (غل 5: 6)، حيث يترجمون إيمانهم إلى أعمال حب، وكما عبّر القديس بطرس الرسول بقوله: «قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ فَضِيلَةً، وَفِي الْفَضِيلَةِ مَعْرِفَةً، وَفِي الْمَعْرِفَةِ تَعَفُّفًا، وَفِي التَّعَفُّفِ صَبْراً ، وَفِي الصَّبْرِ تَقْوَى، وَفِي التَّقْوَى مَوَدَّةً أَخَوِيَّةً، وَفِي الْمَوَدَّةِ الأَخَوِيَّةِ مَحَبَّةً » (2بط 5:1 – 7).
كأن هناك صيغتان يقدمهما لنا كلا الرسولين بطرس وبولس عن كيف نترجم إيماننا الأقدس:
الصيغة المختصرة: الإيمان ← محبة (غل 6:5 )
الصيغة المُطوّلة: الإيمان ← فضيلة ←معرفة ← تعفُّف ← صبر ← تقوى ← مودة أخوية ← محبة. ( 2بط 5:1 – 7).
والكنيسة تقدم خدماتها حبًا خالصًا من خلال هؤلاء الذين كرّسوا أنفسهم بصورة صادقة وإلى آخر العمر، وكأنهم أيادي المسيح التي ما زالت تعمل من أجل الإنسان في كل ظروف حياته من حيث الجوع والعطش والغربة والمرض والحبس والهجرة والنزوح والأيتام والأرامل والمُعنَّفين (خاصة المرأة أو الأطفال) والمدمنين والساقطين والتائهين وطالبي العلم والتعليم سواء الديني أو العلمي وطالبي المشورة الأسرية… الخ. هؤلاء يمكن أن يكونوا: مكرسين أو مكرسات أو رهبانًا أو كهنة أو زوجات كهنة أو شبابًا أو شابات اختاروا طريق التفرُّغ والتبتُّل لتكون أوقاتهم بلا عائق في الخدمة، ويمكن أن
يكونوا أُسراً مُكرّسة تحت أيّة صورة من صور رعاية الكنيسة. يمكن أن يكونوا جميعًا حضن الكنيسة الكبير وتحت رعايتها وإرشادها روحيًا واجتماعيًا وكنسيًا.
في الإسكندرية حضرت الفعاليات التالية التي تحتاج إلى مُكرّسين أو مُكرّسات بصور متعددة:
1- لقاء دورة تدريب على مواجهة العنف ضد المرأة، وهو مجال شديد الحساسية ، وتقول الإحصائيات إن واحدة من كل ثلاث نساء تتعرّض للعنف بكل درجاته، وهذا من خلال خدمة المرأة كأحد فروع اللجنة المجمعية للأسرة بالمجمع المقدس. وقد أصدرت الكنيسة من خلال أسقفية الخدمات العامة منذ عدة شهور وثيقة رسمية عن رفض العنف ضد المرأة، ورفض ممارسة ختان الإناث، وكذلك وثيقة عن تنظيم الأسرة.
2- مراكز الابن الشاطر لعلاج المدمنين، وهي خمسة مراكز نشيطة في محيط مدينة الإسكندرية، تقوم بعمل جيد ومثمر، ويبذل الآباء الكهنة والخدام مجهودًا كبيراً تحت رعاية الآباء الأساقفة العموم بالإسكندرية، وقد استمعت إلى خبرات المتعافين، وكيف انتصروا بنعمة المسيح وجهد الخدام وإرادتهم على هزيمة الإدمان والخروج الآمن إلى الحياة الكريمة.. وتطرّق الحديث إلى الحاجة إلى مراكز مماثلة لحالات إدمان البنات، واللاتي يحتجن خادمات مكرسات من نوع خاص نظراً لصعوبة مثل هذه الخدمات؛ ونصلي من أجل ذلك.
3- مدرسة تيرانس كنموذج ناجح للمرا كز التعليمية الأرثوذكسية، والتي تحافظ على سلامة التعليم ونقاوته بأسلوب علمي وبحثي فيه التشجيع والتواصل وخبرات المعرفة الحياتية والكتابية والآبائية والكنسية، وقد تخرّج عددٌ كبير من الدارسين بعد عامين من العمل الدراسي المتواصل.
4- المتفوقين في الشهادات الثانوية العامة والفنية والدرجات الجامعية والماجستير والدكتوراه مع متفوقي الإعدادية أيضًا، وتكريم الكنيسة لكل هؤلاء من قطاعات الخدمة بالإسكندرية فيه فرحة وابتهاج بأبنائنا وبناتنا الذين يدرسون ويتفوقون لصالح وطنهم وكنيستهم وأسرهم، وهي لحظات عميقة الأثر في نفوسهم وبناء شخصياتهم، ويستمر الاحتياج إلى مكرسين ومكرسات من أجل التعليم.
أما في القاهرة فقد حضرت بعض الفعاليات الأخرى والتي تحتاج إلى النفوس المُكرَّسة ومنها:
5- مركز فيرينا للتمريض، وهو مركز يعتني بتدريب متكامل روحيًا وصحيًا وطبيًا واجتماعيًا ونفسيًا لأعداد من الشباب والشابات حاملي الدبلومات الفنية أو الدرجات الجامعية، ويُقدَّم هذا التدريب على مدى شهور مجانًا حيث يتخرج هؤلاء كممرضات وممرضين يعملون في المستشفيات والعيادات ورعاية المسنين في المنزل.. وقد تخرّج خلال السنوات التسع أكثر من ألف ممرضة وممرض تتسابق المستشفيات عليهم ليعملوا فيها.
6- بيوت الاغتراب، وهي خدمة رعوية مؤثرة تحتاج إلى مكرسين أو مكرسات على درجة عالية من الكفاءة والتعامل مع الشباب الجامعي أثناء اغترابه للدراسة، وتخدم مثل هذه البيوت كل عام أكثر من عشرة آلاف شاب وشابة في أهم سنوات العمر وتكوين الشخصية وفي معظم أنحاء الجمهورية، خاصة مع انتشار الجامعات المصرية والأهلية والخاصة.
7- معاهد المشورة الأرثوذكسية، وهي معاهد د راسية في عدة إيبارشيات، ومن أشهرها وأقدمها معهد المعادي للمشورة الأرثوذكسية والذي تخرجت منه دفعات عديدة، وفيه العمق الدراسي والتنوع في مجالات المشورة مع استخدام أساليب علمية متطورة في هذا المجال، ويحظى برعاية الآباء ولفيف من الأساتذة والمختصين في هذا المجال.
الخلاصة أن الكنيسة هي الأم التي ترعى أبناءها في مختلف القطاعات والنوعيات، لا يتحقق ذلك إلا بنفوس مُكرَّسة واثقة في رعاية المسيح لها عبر مشوار الحياة كما
يعبّر (المزمور 23) «الرب راعيّ فلا يعوزني شيء… إنما خير ورحمة يتبعانني كل أيام حياتي، وأسكن في بيت الرب إلى مدى الأيام .»