في إطار تنظيم وترتيب العمل الكنسي في مختلف المجالات قمنا بإصدار اللوائح التنظيمية وإنشاء الإيبارشيات والمعاهد الكنسية المتنوعة وعقد اللقاءات الشبابية من خارج مصر ومن داخلها مع المؤتمرات والحلقات الدراسية للآباء الكهنة والآباء الرهبان والأمهات الراهبات والدورات التدريبية للكهنة الجدد والأساقفة الجدد مع الزيارات التفقدية والمقابلات والاجتماعات المتنوعة.. وكل هذه الأعمال والخدمات وغيرها تحتاج دائمًا التطوير والتحديث والتجديد لتستمر الخدمات الكنسية نابضة ومتناسقة وفعالة.
وفي نفس هذا الاتجاه بدأنا منذ عشر سنوات في إعداد الميرون المقدس بأسلوب يتناسب مع العصر وإمكانياته، دون تغيير في الصلوات والقراءات وفقط التغيير في أسلوب التحضير. وبعد مناقشة هذه الطريقة في اجتماعات المجمع المقدس وإقرارها، بدأنا التطبيق في عام 2014 ثم 2017 ثم 2021 وها نحن بنعمة المسيح نقوم بتحضير وإعداد الميرون المقدس هذا العام في مارس 2024م وبذلك نحن نرسي عدة مبادئ:
إعداد زيت الميرون المقدس بدون استخدام الماء أو النار وبدون وجود أتفال (رواسب).
إعداد الميرون المقدس كل ثلاث سنوات بالصلوات على مدار يومين.
وتكون الكمية حوالي ألف كيلو من الميرون المقدس وزيت الغاليلاون.
نختار بدايات الصوم المقدس في الإعداد حتى يحضر الزيت الجديد قداسات الصوم الكبير وصلوات أسبوع الآلام ثم نضيف “الخميرة” في قداس شم النسيم ثم يترك في الكنيسة ليتم تعبئته في زجاجات بلاستيكية مناسبة للتوزيع على الإيبارشيات والكنائس القبطية في مصر وفي الخارج.
والكمية المنتجة بالكاد تكفي احتياجات الكنائس والإيبارشيات للاستخدام في سر المعمودية ورشومات سر الميرون للمعمدين حديثًا بديلاً عن وضع اليد الذي كان موجودًا في أيام آبائنا الرسل، وكذلك في تدشين الأواني المقدسة والأيقونات والمعموديات والمذابح والكنائس.
ولأنه توجد لدينا حوالي مائة إيبارشية ومنطقة رعوية فإننا بقسمة 600 كيلو زيت الميرون على رقم 100 = 6 كيلو وهذا هو نصيب كل إيبارشية للاستخدام على مدار ثلاث سنوات حتى إعداد ميرون جديد.. ومن هنا جاء تنظيم العمل والإعداد بصورة مستمرة. وليس من الحكمة إعداد كميات أكبر بسبب صعوبات التحضير والتخزين والجودة.
إن عمل الميرون المقدس هو المسحة المقدسة التي تحل محل وضع اليد كما يقول الكتاب: “خَلَّصَنَا بِغُسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي (أي سر المعمودية) وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ (أي المسحة المقدسة سر الميرون)” (تي 3: 5). ويؤكد القديس بولس الرسول نفس الكلام إلى أهل كورنثوس “لكِنِ اغْتَسَلْتُمْ (أي المعمودية) بَلْ تَقَدَّسْتُمْ (أي الميرون المسحة المقدسة)..” (1كو 6: 11).
وقد بدأ عمل الميرون منذ العصر الرسولي حيث أخذ الآباء خلطة الحنوط الموجودة في كفن السيد المسيح والتي وضعها يوسف الرامي ونيقوديمــوس على جســد الــرب (يو 19: 39)، وكذلك الأطياب التي أحضرتها المريمات (مر 16: 1)، ومزجوها بزيت الزيتون البكر النقي وقدسوها بالصلاة وكلمة الله وجعلوها دهنًا مقدسًا لسر مسحة الروح القدس وخاتمًا للمؤمنين بعد تعميدهم.
ويعتبر القديس البابا أثناسيوس الرسولي (296-373م) هو أول من عمل الميرون في تاريخ كنيستنا في مدينة الإسكندرية اعتمادًا على ما أحضره القديس مار مرقس الرسول معه من الحنوط والأطياب بعد خلطها في زيت الزيتون التي عملها الآباء الرسل. واستمر بعد ذلك عمل الميرون في كنيستنا حوالي 40 مرة خلال عصور مختلفة. وربما يكون التاريخ قد أغفل ذكر عمل الميرون في تاريخ بعض البطاركة بسبب بعض الظروف الاقتصادية أو السياسية وغيرها.
ويتكون الميرون المقدس من إضافة 27 مادة زيتية عطرية مستخلصة من أجزاء نباتية بطرق علمية وبأساليب وإمكانيات وأجهزة خاصة، إلى زيت زيتون بكر وعالي النقاء ومنتج في أديرتنا القبطية، مع الصلوات والقراءات الكتابية وبحضور أعضاء المجمع المقدس من الأحبار الأجلاء الآباء المطارنة والأساقفة والآباء الكهنة وألحان الشمامسة وعلى مدار يومين في دير القديس الأنبا بيشوي في وادي النطرون وحضور الآباء الرهبان من أديرتنا العامرة وكذلك حضور الأمهات الراهبات وكل الشعب وتكتمل هذه الفرحة بالقداس الإلهي في اليوم الثاني.
والمواد النباتية مذكورة في أكثر من موضع في الكتاب المقدس (خروج: 30) – (صموئيل الأول: 10 و 16) – (نشيد الأنشاد).
وكلمة “ميرون” تعني طيب الرائحة العطرية التي نلاحظها أثناء التحضير لأننا لا نستخدم النار التي كانت تتسبب في أن تتبخر هذه الزيوت العطرية مع الماء وبخار الماء.. كما أن وجود الماء مع الزيت يفسد العطور الزيتية على المدى الزمني إذ لا تجانس بين الزيت والماء.
ومن الملاحظات الهامة في طقس إعداد الميرون المقدس هو قراءة سفر نشيد الأنشاد وهي المرة الوحيدة التي يُقرأ فيها هذا السفر في الكنيسة، وهو السفر الذي جعل المحبة في أسمى معانيها بين النفس البشرية وعريسها شخص السيد المسيح. كما نلاحظ أن مواد الميرون العطرية 27 مادة ترمز إلى أسفار العهد الجديد وعددها 27 سفرًا، وهي تمتزج مع زيت الزيتون البكر الذي يرمز إلى السيد المسيح البكر ومحور كل الأسفار المقدسة.
وكل ميرون مقدس وأنتم بخير.
This page is also available in: English