رتبة الأسقفية رتبة جليلية وهى تقف على رتبة الهرم الكنسى فى الخدمة. الخدمة فى كل مكان تبدأ بفرد، ربما خادم صغير أو خادمة صغيرة، شماس فى مكان ما… ثم تنمو الخدمة شيئاً فشيئاً فيكون فى هذا المكان كاهن لكى ما يقيم الأسرار، وتنضج الخدمة مع الأيام فيزداد عدد الآباء الكهنة، وأيضاً مع الأيام تحتاج الخدمة إلى من يدبرها ومن ينظمها ومن يشرف عليها، فتقيم الكنيسة أسقفاً.
كلمة أسقف معناها “الناظر من أعلى”، أى أنه يقوم بالرعاية من خلال النظرة الشاملة، فالأب الأسقف فى خدمته يجب أن تكون له نظرة شاملة فى العمل سواء فى العمل السرائرى، أو من ناحية الأعمال التقديسية والتدشين وأيضاً المسئولية التعليمية من ناحية التعليم وإشباع الشعب وإشباع كل أحد من كلمة الله المقدسة.
عندما تختار الكنيسة إنساناً كرس حياته وتعطيه المسئولية، فهى ليست ترقية بأية حال من الأحوال، قد نسميها بلغة العالم ترقية، ولكن مفهوم الخدمة ومفهوم الإمكانية التى تمنحها الكنيسة لشخص لكى ما يصير كاهناً ثم أسقفاً، إنما تمنح هذه لكى يزيد فى إتضاعه، ولا سبيل إلى السماء إلا إتضاع الإنسان، فالقيادة ليست بالمنصب ولكن بالمحبة والرعاية والفعل….
فالأسقف شخص يجاهد يومياً من أجل أتضاعه، فهو مثال وقدوة، أمام الكهنة الذين يخدمون معه وأمام الشعب الذى يخدم فى وسطهم، وهو يحملهم جميعاً فى قلبه، ويهتم بكل أحد لكى ما يكون لهم نصيب فى ملكوت السموات.
عمل الأسقفية يقارب عمل الإستشهاد “إن إبتغى أحد الأسقفية، فيشتهى عملاً صالحاً (أو فاضلاً)” (1تى3: 1) إختيار الأسقف وعمله فى الأسقفية ينطبق عليه عبارة القديس بولس الرسول “إننا من أجلك نمات كل النهار” (رو8: 36).
كل العمر وهو يخدم الخدمة الحقيقية التى تُعتبر صليباً ثقيلاً يحمله بفرح وإبتهاج، ويُكمل خدمتهم وهو ناظر لإلهه حتى ما يكون له ولشعبه ولرعيته ولقطيعه نصيب فى ملكوت السموات.
جميل وفى نفس الوقت خطير هو عمل الأسقف، فهو مسئول عن تعليم كل إنسان فى شعبه كل إنسان صغير أو كبير، يُشبع الإنسان من كلمة الله المقدسة، فالنفس التى تشبع من كلمة الله تدوس عسل أى تعليم فى العالم.
الأسقف مسئول عن سلامة التعليم ونقاوته وقوته…. مسئول على أنه يقدم التعليم لشعبه بما يتناسب مع هذا العصر، فلا يقدمه بطريقة قديمة بل بطريقة معاصرة، عليه أن يقدم أرثوذكسيته فى الصورة التى تتناسب مع الزمن الذى نحياه. فيشبع الشباب والكبار والصغار، يشبع كل أحد من دسم كلمة الله، ومن تعاليم الآباء المقدسة ومن العقيدة المستقيمة التى نحيا فيها ونسلمها إلى كل جيل بأمانة وبإستقامة.
هو أيضاً مسئول عن العمل السرائرى وإقامة كل الأسرار، وكيف يعى كل إنسان من الشعب هذه الأسرار وكيف يعيشها، وكيف يستفيد منها.
هو أيضاً مسئول عن العمل التقديسى أو التكريسى بمعنى تكريس النفوس، وتكريس المذابح، وتكريس الكنائس مسئوليته خطيرة وجليلة، لأن الله سيسأل كلاً منا “أعط حساب وكالتك” (لو16: 2)، وينتظر الإنسان.
والأسقف على قمة الهرم الكنسى، أنه متى كان أميناً فى القليل يقيمه الله على الكثير، ويسمع الدعوة الإلهية “أدخل إلى فرح سيدك” (مت25: 21).
مسئوليات الأسقف خطيرة، ولذلك تحرص كنيستنا على ذكر أسم الأسقف فى الصلوات الكنسية، لأنه يحتاج وبشدة إلى صلوات كل أحد، فصلواتكم تسند كل الآباء، وتسند ضعفنا فى الخدمة وفى العمل، وهذه الصلوات ترتفع نحو الله فيستجيب لها، ويمنح كل أحد فى الخدمة -وبخاصة الآباء المطارنة والأساقفة- نعمة فى تدبير العمل وتدبير الخدمة.