في الحوار بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ، والكنيسة الكاثوليكية ، كانت نقطة البداية هى زيارة ولقاء ، ثم حوار غير رسمى ، ثم أعقبه حوار رسمى نتج عنه اتفاق لاهوتى ، وهذا ما نوضحه فيما يلى :
+ لقاء بابا الاسكندرية البابا شنوده وبابا روما البابا بولس السادس في مايو 1973م :
عندما زار قداسة البابا شنودة الثالث الفاتيكان فى الفترة من 4 – 10 مايو عام 1973 م ، حيث التقى بقداسة البابا الراحل بولس السادس بابا روما ، كان هذا هو أول لقاء تاريخى منذ أكثر من خمسة عشر قرنًا، وكانت الزيارة بمناسبة مرور 16 قرنًا على نياحة القديس العظيم البابا أثناسيوس الإسكندرى (الرسولى). كما يعتبر هذا اللقاء استعادة لتاريخ قديم حينما تقابل البابا أثناسيوس الرسولى مع البابا يوليوس الأول في روما عام 341 م خلال منفاه ( البابا أثناسيوس ) إلى الغرب .
كانت هذه الزيارة خطوة لدفع مسيرة المسكونية وتطورها بين الكنيستين ، القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية . حيث صدر فى نهاية الزيارة بيان مشترك تناول نقاط الخلاف ، والاتفاق في النواحي اللاهوتية ، وذلك بهدف الوصول إلى حل لهذه الخلافات تمهيدًا لاستعادة الشركة الكاملة بين الكنيستين . ولأهمية هذا البيان نورد نصه التاريخى الهام والمشترك الذى صدر فى ظهر يوم الخميس 10 مايو سنة 1973 م.
” نص البيان المشترك “
( بولس السادس أسقف روما وبابا الكنيسة الكاثوليكية ، وشنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرسى المرقسى يقدمان الشكر لله فى الروح القدس . إذ أنه بعد عودة رفات القديس مرقس إلى مصر قد نمت العلاقات بين كنيستى روما والإسكندرية، وازدادت بعد ذلك الحدث العظيم حتى أمكن الآن أن يصير بينهما لقاء شخصى . وهما يرغبان فى ختام اجتماعاتهما ومحادثاتهما أن يقررا معًا ما يلى :
لقد تقابلنا معًا تحدونا الرغبة فى تعميق العلاقات بين كنيستينا ، وإيجاد وسائط واضحة المعالم وفعالة للتغلب على العقبات التى تقف عائقًا فى سبيل تعاون حقيقى بيننا فى خدمة ربنا يسوع المسيح الذى أعطانا خدمة المصالحة لنصالح العالم فيه ( كورنثوس الثانية 5 : 18 – 20 ). وطبقًا لتقاليدنا الرسولية المسلمة لكنيستينا والمحفوظة فيهما ، ووفقًا للمجامع المسكونية الثلاثة الأولى ، نقر أن لنا إيمانًا واحدًا بإله واحد مثلث الأقانيم ، وبلاهوت ابن الله الوحيد الأقنوم الثانى من الثالوث القدوس كلمة الله ، وضياء مجده وصورة جوهره ، الذى تجسد من أجلنا متخذًا له جسدًا حقيقيًا ذا نفس عاقلة ، وصار مشاركًا إيانا إنسانيتنا ، ولكن بغير خطيئة . ونقر بأن ربنا وإلهنا ومخلصنا وملكنا كلنا يسوع المسيح إله كامل من حيث لاهوته، إنسان كامل من حيث ناسوته . وأن فيه قد اتحد اللاهوت بالناسوت اتحادًا حقيقيًا كاملًا بغير اختلاط ، ولا امتزاج ، ولا تشويش ، ولا تغيير ، ولا تقسيم ، ولا افتراق . فلاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة أو طرفة عين . وأنه وهو الإله الأزلى الأبدى غير المنظور صار منظورًا فى الجسد واتخذ صورة عبد ، وفيه قد حفظت كل خصائص اللاهوت ، وكل خصائص الناسوت جميعًا باتحاد حقيقى كامل ، اتحاد لا يقبل التجزئة أو الانقسام ولا يقبل الانفصال.
نؤمن معًا أن الحياة الإلهية تمنح لنا بواسطة أسرار المسيح السبعة فى كنيسته. وأن تلك الحياه الإلهية تنمو فينا وتغتذى بهذه الأسرار وهى : المعمودية ، الميرون ( التثبيت ) ، الإفخارستيا (القربان المقدس ) ، التوبة ، مسحة المرضى ، الزيجة ، الكهنوت .
ونحن نكرم العذراء مريم أم النور الحقيقى ونعترف أنها دائمة البتولية ، وأنها والدة الإله ، وأنها تشفع فينا ، وأنها بصفتها والدة الإله ( ثيؤتوكوس ) تفوق فى كرامتها كرامة جميع الطغمات الملائكية.
ونحن لنا إلى حد كبير مفهوم واحد للكنيسة وأنها مؤسسة على الرسل . والدور الهام الذى للمجامع المسكونية ، والمحلية . ولنا معًا روحانيتنا التى تعبر عنها طقوسنا خير تعبير ، كما يعبر عنها القداس الإلهى تعبيرًا عميقًا . لأن القداس هو مركز وجوهر عبادتنا الجماعية ، وهو قمة اتحادنا وشركتنا مع المسيح فى كنيسته . ونحن نحفظ الأصوام والأعياد التى يأمرنا بها ديننا . ونكرم ذخائر القديسين، ونستشفع بالملائكة وبالقديسين الأحياء منهم والمنتقلين، هؤلاء يؤلفون سحابة من الشهود فى الكنيسة وهم ونحن ننتظر – فى رجاء – المجئ الثانى لربنا عند استعلان مجده ليدين الأحياء والموتى .
ونحن نعترف بكل اتضاع أن كنائسنا غير قادرة على أن تشهد للحياة الجديدة فى المسيح بصورة أكمل بسبب الانقسامات القائمة بينها ، والتى تحمل وراءها تاريخًا مثقلًا بالصعوبات لعدة قرون مضت. والواقع أنه منذ عام 451 م لميلاد المسيح نشبت خلافات لاهوتية امتدت واتسعت شقتها بفعل عوامل غير لاهوتية . هذه الخلافات لا يمكن تجاهلها . وعلى الرغم من تلك الخلافات، فنحن نعيد اكتشاف أنفسنا، فنجد أن بين كنيستينا تراثًا مشتركًا ونحن نسعى بعزم وثقة فى الرب أن نحقق كمال تلك الوحدة وتمامها ، هذه الوحدة التى هى عطية من الرب .
ولكى ما نتمكن من إنجاز هذا العمل ، نشكل لجنة مشتركة من الكنيستين مهمتها التوجيه لدراسات مشتركة فى ميادين : التقليد الكنسى ، وعلم آباء الكنيسة، والطقوس ، وخدمة القداس (الليتورجية ) واللاهوت ، والتاريخ ، والمشاكل العلمية ، وهكذا بالتعاون المشترك يمكن أن نتوصل إلى حلول للخلافات القائمة بين الكنيستين بروح التقدير المتبادل . ونستطيع أن ننادى بالإنجيل معًا بوسائل تتفق مع رسالة الرب الأصيلة وتتناسب مع احتياجات العالم المعاصر واّماله . ونعبر فى نفس الوقت عن تقديرنا وتشجيعنا لأى جماعات أخرى من الدارسين ومن الرعاة من بين الكاثوليك والأرثوذكس ، ممن يكرسون جهودهم فى نشاط مشترك فى الميادين المذكورة وما يتصل بها .
وإننا فى إخلاص وإلحاح نذكر أن المحبة الحقيقية والمتأصلة فى أمانة كاملة للرب الواحد يسوع المسيح ، واحترام متبادل من كل طرف لتقاليد الطرف الآخر ، هى عنصر جوهرى فى السعى نحو الشركة الكاملة .
إننا بإسم هذه المحبة نرفض كل صور الجذب من كنيسة إلى أخرى ، وننبذ أن يسعى أشخاص من إحدى الكنيستين إلى إزعاج طائفة من الكنيسة الأخرى وذلك بضم أعضاء إليهم من هذه الكنيسة بناء على اتجاهات فكرية ، أو بوسائل تتعارض مع مقتضيات المحبة المسيحية ، أو مع ما يجب أن تتميز به العلاقات بين الكنيستين . ينبغى أن يوقف هذا الجذب بكل صوره أينما يوجد . وإن على الكاثوليك والأرثوذكس أن يعملوا على تعميق وتنمية التشاور المتبادل وتبادل الرأى والتعاون فى المجالات الاجتماعية والفكرية . ويجب أن يتواضعوا أمام الرب ويتضرعوا إليه، أن يتفضل وهو الذى بدأ هذا العمل فينا أن يؤتيه ثماره .
وإذ نفرح بالرب الذى منحنا بركات هذا اللقاء، تتجه أفكارنا إلى اّلاف المتألمين والمشردين من شعب فلسطين ، ونأسف على سوء استخدام الحجج الدينية لتحقيق أغراض سياسية فى هذه المنطقة . وبرغبة حارة نتطلع إلى أزمة الشرق الأوسط حتى يسود سلام حقيقى قائم على العدل خصوصًا فى تلك الأرض التى تقدست بكرازة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح وموته وقيامته ، وبحياة القديسة العذراء مريم هذه التى نكرمها جميعًا بصفتها والدة الإله ( ثيؤطوكوس ) .
ليستجب لنا الله مانح جميع المواهب والعطايا يسمع صلواتنا ويبارك جهودنا ،
توقيعات: البابا بولس السادس أسقف روما وبابا الكنيسة الكاثوليكية – البابا شنودة الثالث أسقف الإسكندرية وبابا وبطريرك الكرسى المرقسى
الفاتيكان فى 10 مايو سنة 1973م
ولتزايد رباط المحبة بين الكنيستين، فقد أهدى قداسة البابا بولس السادس لقداسة البابا شنودة الثالث والوفد المرافق له، جزءًا من رفات القديس أثناسيوس الرسولى، الذى تم إيداعه فى المزار المخصص له بالكاتدرائية المرقسية بمنطقة الأنبا رويس بالعباسية بالقاهرة.
الاتفاق مع الكنيسة الكاثوليكية بشأن طبيعة السيد المسيح في 12 فبراير 1988م:
” بمحبة الله الآب ونعمة الإبن الوحيد وموهبة الروح القدس
فى يوم الجمعة 12 فبراير 1988 م اجتمعت اللجنة المشتركة للحوار اللاهوتى بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون بمصر .
افتتح قداسة البابا شنوده الثالث هذا الاجتماع بالصلاة، وقد اشترك فى هذا الاجتماع المونسنيور جيوفانى مورتينى القاصد الرسولى بمصر ، والأب دوبريه السكرتير بسكرتارية الوحدة المسيحية للفاتيكان ، ممثلين لقداسة البابا يوحنا بولس الثانى ومؤهلين من قداسته للتوقيع على هذا الاتفاق. كما حضر أيضًا الأساقفة المعينون من قبل صاحب الغبطة أستفانوس الثانى غطاس بطريرك الأقباط الكاثوليك لتوقيع هذه الاتفاقية .
وقد سَرنا اللقاء التاريخى الذى تم فى الفاتيكان فى مايو سنة 1973 بين قداسة البابا بولس السادس وقداسة البابا شنوده الثالث . وكان هذا هو أول لقاء بين الكنيستين منذ أكثر من خمسة عشر قرنًا من الزمان ، ووجدنا أتفاقًا بيننا فى كثير من نقط الإيمان ، كما تقرر فى ذلك اللقاء تكوين لجنة مشتركة لبحث نقط الخلاف العقائدية والإيمانية بين الكنيستين ،بهدف الوصول إلى الوحدة الكنسية .
وكان قد حدث اجتماع فى فيينا فى سبتمبر سنة 1971 م نظمته هيئة بروأورينتا بين لاهوتى الكنيسة الكاثوليكية ولاهوتى الكنائس الأرثوذكسية الشرقية وهى كنائس الأقباط والسريان والأرمن والأثيوبيين والهنود ، ووصلوا إلى اتفاق فى موضوع طبيعة السيد المسيح ، قبله المجمع المقدس للكنيسة القبطية فى 21 يونيو 1986م .
ونحن نشكر الله أننا الآن يمكننا أن نوقع على صيغة مشتركة تعبر عن اتفاقنا الرسمى بخصوص طبيعة السيد المسيح .
أما باقى نقاط الخلاف بين الكنيستين فستقوم اللجنة العامة للحوار المشترك بفحصها على التوالى بمشيئة الرب “.
نص الاتفاق المشترك بشأن طبيعة السيد المسيح :
“نحن نؤمن أن ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح ، الكلمة المتجسد هو كامل فى لاهوته وكامل فى ناسوته ، وجعل ناسوته واحدًا مع لاهوته بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ولا تشويش (تداخل) ، وأن لاهوته لم ينفصل عن ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين . وفى نفس الوقت، نحرم كلًا من تعاليم نسطور وأوطاخى” .
توقيعات ……
زيارة قداسة البابا تواضروس الثاني للفاتيكان في 10 مايو 2013 م
زار قداسة البابا تواضروس الفاتيكان في زيارة تاريخية هامة، وصدر في هذه الزيارة بيان مشترك لقداسة البابا تواضروس الثاني وغبطة البابا فرانسيس.
البيان المشترك لقداسة البابا تواضروس الثاني وغبطة البابا فرنسيس في الزيارة التاريخية لبابا روما لمصر في 28 أبريل 2017 م
1. نحن، فرنسيس، أسقف روما وبابا الكنيسةِ الكاثوليكيّة، وتواضروسَ الثاني، بابا الاسكندريّة وبطريرك كرسي القديس مرقس، نشكرُ اللهَ في الروحِ القدسِ لأنّهُ وَهَبَنا الفرصَةَ السعيدةَ لنلتقيَ مرّةً ثانية، ونتبادلَ العناقَ الأخويّ، ونتَّحِدَ معًا مجددًا في صلاةٍ مشتَرَكَة. إنّنا نُمجِّدُ العليَّ من أجلِ أواصرِ الإخوّة والصداقةِ القائمة بين كرسي القديس بطرس وكرسي القديس مرقس. إن حظوة وجودِنا معًا هنا في مصر، هي علامةٌ لصلابة علاقتِنا التي سنة بعد سنة، تنمو في التقارب والإيمان ومحبّة يسوع المسيح، ربّنا. إننا نرفع الشكر لله لأجل مصر الحبيبة “الوطن الذي يعيش فينا”، كما اعتاد أن يقول قداسة البابا شنودة الثالث، و”الشعب المبارك” (را. أشعياء 19، 25) بحضارته الفرعونيّة القديمة، والإرث اليوناني والروماني، والتقليد القبطي والحضور الإسلامي. إن مصر هي المكان الذي وَجَدت فيه العائلةُ المقدّسة ملجأ، وهي أرض الشهداء والقديسين.
2. إن أواصر الصداقة والإخوّة العميقة، التي تربطنا، تجد جذورها في الشركة التامّة التي جمعت كنائسَنا في القرون الأولى، والتي تم التعبير عنها بطرق مختلفة من خلال المجامع المسكونيّة الأولى، بداية من مجمع نيقيا سنة 325 م، ولمساهمة الشماس الشجاع، أحد آباء الكنيسة، القديس أثناسيوس الذي استحقّ لقب “حامي الإيمان”. وقد تمَّ التعبير عن هذه الشركة من خلال الصلاة والممارسات الطقسيّة المماثلة، وتكريم نفوس الشهداء والقدّيسين، ونمو الحياة الرهبانيّة ونشرها اقتداءً بمثل القدّيس أنطونيوس الكبير، المعروف بأبي الرهبان.
إن خبرة الشركةِ التامّة هذه، التي سبقت زمن الانفصال، تحملُ معنًى خاصًّا في الجهود الحاليّة لاستعادة الشَرِكة التامّة. فغالبيّة العلاقات التي جمعت، في القرون الأولى، الكنيسة الكاثوليكيّة بالكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة، استمرّت حتى يومنا هذا بالرغم من الانقسامات، وقد أُعيدَ إحياؤها أيضًا مؤخّرًا. وهذا يحثّنا على تكثيف جهودنا المشتركة للمثابرة في البحث عن الوحدة المنظورة في التنوع، تحت إرشاد الروح القدس.
3. إننا نستحضر بامتنانٍ اللقاءَ التاريخيّ، الذي جرى منذ أربع وأربعين سنة خلت، بين سَلَفينا، البابا بولس السادس والبابا شنودة الثالث، بعناق سلام وإخوّة، بعد عقود عديدة لم تستطع فيها أواصر محبّتنا المتبادلة أن تعبّر عن ذاتها بسبب التباعد الذي نشأ بيننا. ويمثّل البيان المشترك، الذي تم توقيعه يوم 10 مايو 1973، حجر الزاوية لمسيرتنا المسكونيّة، وقد شكّل نقطة الانطلاق لإنشاء لجنة الحوار اللاهوتي بين كنيستينا، التي أعطت العديد من النتائج المثمرة وفتحت الطريق أمام حوار أوسع بين الكنيسة الكاثوليكيّة وكل أسرة الكنائس الأرثوذكسيّة الشرقيّة. في ذلك البيان، أقرت كنيستانا، تماشيًا مع التقليد الرسولي، بأنهما يعلنان “ذات الإيمان بالإله الواحد والمثلث الأقانيم” و”ألوهية ابن الله الوحيد… إلهٌ حقٌّ نسبةً لألوهيّته، وإنسانٌ حقُّ نسبةً لبشريّته”. وقد تمّ الاعتراف أيضًا “أن الحياة الإلهيّة قد أُعطِيت لنا عبرَ الأسرارِ السبعة، ونتغذّى بها”، وأننا “نكرّم العذراء مريم، أمّ النور الحقيقي”، “والدة الإله”.
4. نستحضر بامتنانٍ عميقٍ أيضًا لقاءنا الأخويّ في روما بتاريخ 10 مايو 2013، وتعيين يوم 10 مايو، كيومٍ نتعمق فيه كلّ عام بالصداقة والأخوّة التي تجمع كنيستينا. إن روحَ التقاربِ المتجدد هذا، قد سمحَ لنا أن ندرك مجدّدًا أن الرباط الذي يجمعنا قد نلناه من ربّنا الواحد يوم معموديّتنا. فبفضل المعموديّة، في الواقع، نصبح أعضاءَ جسدِ المسيحِ الواحد الذي هو الكنيسة (را. 1 كورنثوس 12، 13). إن هذا الإرث المشترك هو أساس مسيرة سعينا المشترك نحو الشركة التامّة، بينما ننمو في المحبّة والمصالحة.
5. إنّنا نعي أن طريق سعينا ما زال طويلًا أمامنا، غير أننا نستحضر الكم الكبير مما قد تمّ إنجازه حتى الآن بالفعل. إننا نتذكر، وبشكل خاص، اللقاء بين البابا شنودة الثالث والقدّيس يوحنا بولس الثاني، الذي أتى كزائر إلى مصر أثناء اليوبيل العظيم لسنة الـ 2000. ونحن عازمون على اتّباع خطواتهما، مدفوعين بمحبّة المسيح، الراعي الصالح، وبالاقتناع التام بأن الوحدة تنمو فيما نحن نسير معًا. لنستمدّ قوّتنا من الله، المصدر الكامل للشركة وللمحبّة.
6. إن هذه المحبّة تجدُ تعبيرها الأعمق في الصلاة المشتركة. فعندما يصلّي المسيحيّون معًا، يدركون أنّ ما يجمعهم هو أعظم كثيرًا ممّا يفرّق بينهم. إن توقنا للوحدة هو مستوحى من صلاة المسيح: “لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا” (يوحنا 17، 21). فلنعمِّق جذورنا المشتركة في إيماننا الرسوليّ الأوحد عبر الصلاة المشتركة، باحثين عن ترجمات مشتركة “للصلاة الربانية”، ومن خلال التوصل إلى تاريخ موحّد لعيد القيامة.
7. وفيما نخطو نحو اليوم المبارك الذي فيه سنجتمع معًا أخيرًا حول مائدة الربّ الإفخارستيّة نفسِّها، يمكننا بالفعل منذ الآن أن نتعاون في مجالات كثيرة وأن نظهر، بشكل ملموس، عمق الغنى الذي يجمعنا بالفعل. فباستطاعتنا معًا أن نقدّم شهادة مشتركة عن القيم الأساسيّة، مثل القداسة، وكرامة الحياة البشريّة، وقدسية سرّ الزواج والعائلة، والاحترام تجاه الخليقة بأسرها التي عهد الله بها إلينا. فأمام العديد من التحدّيات المعاصرة، مثل العلمنة وعولمة اللامبالاة، فإننا مدعوّون إلى إعطاء إجابة مشتركة ترتكز على قيم الإنجيل وعلى كنوز التقاليد الخاصّة بكلٍّ من كنيستينا. وفي هذا الصدد، فإننا متحمسون للشروع بإجراء دراسة أكثر عمقًا لآباء الكنيسة الشرقيّين واللاتين، وتعزيز التبادل المثمر في الحياة الراعويّة، لا سيما في التعليم المسيحيّ وفي تبادل الغنى الروحي بين المجامع الرهبانية والجماعات المكرسة.
8. إن شهادتنا المسيحيّة المشتركة هي علامة مصالحة ورجاء ممتلئة نعمة للمجتمع المصري ومؤسّساته، وبذرة غُرِستْ لتعطي ثمارَ عدالةٍ وسلام. وإذ نؤمن بأنّ كلّ الكائنات البشريّة قد خُلِقَت على صورة الله، نسعى جاهدين إلى الصفاء والوئام عبر التعايش السلميّ بين المسيحيّين والمسلمين، الأمر الذي سيشهد لرغبة الله في وحدةِ وتناغمِ الأسرة البشريّة بأسرها، وفي المساواة بالكرامة بين كافة البشر. إننا نتشاطر الحرص على رخاء مصر ومستقبلها. لكلّ أعضاء المجتمع الحقّ والواجب بالمشاركة الكاملة في حياة الأمة، متمتعين بالمواطَنة والتعاون الكاملين والمتساويين في بِنَاء وطنهم. فالحرّية الدينيّة، التي تتضمّن حريّة الضمير، المتجذّرة في كرامة الشخص، هي حجر الأساس لباقي الحرّيات. إنّها حقّ مقدّس وغير قابل للمساومة.
9. لنكثِّف صلاتنا المتواصلة من أجل جميع مسيحيّي مصر والعالم بأسره، وخاصة في الشرق الأوسط. فالخبرات المأساويّة والدم المسفوك لإخوتنا المُضّطَهَدين، الذين قُتِلوا لسبب وحيد وهو كونهم مسيحيين، تذكّرنا أكثر من أيّ وقت مضى، أن مسكونيّة الشهداء توحّدنا وتشجّعنا على السير على درب السلام والمصالحة، كما كتب القدّيس بولس: “إِذا تَأَلَّمَ عُضوٌ تَأَلَّمَت مَعَه سائِرُ الأَعضاء” (1 كورنثوس 12، 26).
10. إن في سرّ يسوع، الذي مات وقام من بين الأموات حبًا بالبشر، يكمن محور قلب مسيرتنا نحو الشركة التامة. والشهداء، مرّة جديدة، هم الذين يرشدوننا. فكما أنّ دم الشهداء كان في الكنيسة الأولى بذارًا لمسيحيّين جدد، ليكن الآن أيضًا، في أيامنا هذه، دمُ الكثير من الشهداء، بذارَ وَحَدَّةٍ بين جميع تلاميذ المسيح، وعلامةَ وأداةَ شركة وسلام للعالم.
11. طاعةً لعمل الروح القدس، الذي يقدِّس الكنيسة ويحفظها عبر العصور، ويقودها لبلوغ الوحدة التامّة – التي صلى المسيح من أجلها:
نحن اليوم، البابا فرنسيس والبابا تواضروس الثاني، لكي نسعد قلب ربنا يسوع، وكذلك قلوب أبنائنا وبناتنا في الإيمان، فإننا نعلن، وبشكل متبادل، بأننا نسعى جاهدين بضمير صالح نحو عدم إعادة سر المعمودية الذي تمَّ منحه في كلٍّ من كنيستينا لأي شخص يريد الانضمام للكنيسة الأخرى. إننا نقرُّ بهذا طاعةً للكتاب المقدس ولإيمان المجامع المسكونية الثلاثة التي عُقدت في نيقية والقسطنطينية وأفسس. نسأل الله الآب أن يقودنا، في الأوقات وبالطرق التي سيختارها الروح القدس، نحو بلوغ الوحدة التامة في جسد المسيح السري.
12. دعونا، إذًا، نسترشد بتعاليم بولس الرسول ومثاله، الذي كتب: “مُجْتَهِدِينَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ. جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَرُوحٌ وَاحِدٌ، كَمَا دُعِيتُمْ أَيْضاً فِي رَجَاءِ دَعْوَتِكُمُ الْوَاحِدِ. رَبٌّ وَاحِدٌ، إِيمَانٌ وَاحِدٌ، مَعْمُودِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، إِلَهٌ وَآبٌ وَاحِدٌ لِلْكُلِّ، الَّذِي عَلَى الْكُلِّ وَبِالْكُلِّ وَفِي كُلِّكُمْ” (أفسس 4، 3 – 6).
القاهرة، 28 أبريل 2017 م
This page is also available in: English