وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن”، مقوله وطنية يرددها الأقباط دوماً عقب وقوع اعتداءات علي الكنائس، استمدوها من رمزهم الديني البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، الذي يثبت دوماً أنه راهب في محراب عشق هذا الوطن.
ما يزال البابا مصراً على إثارة دهشة الجميع برد فعله، عقب أي تفجيرات تطال دور العبادة المسيحية، ففي حادث تفجیر کنیستی مارجرجس بطنطا والمرقسية بالإسكندرية، الذي راح ضحيته عشرات الضحايا والمصابين، خرج علينا كعادته ليؤكد عشقه للوطن، مشدداً على أن مثل هذه الحوادث لن تمس النسيج الواحد للمصريين، رغم أنه كان في مواجهة حقيقة مع الإرهاب، إذ تصادف وجوده بكنيسة المرقسية تزامناً مع وقت التفجير.
ورغم أن رأس الكنيسة الأرثوذكسية قد عاش لحظات قاسية بين آلام طويلة على دماء الشهداء والمصابين وحزن أصاب قلبه لما يتعرض له من إرهاب حقيقي، إلا أنه أدهش العالم كله بحالة من الثبات، والتزم الصمت تماماً، ولم يصدر أية تصريحات يتهم فيها الدولة بالتقصير الأمنى في حق الأقباط، لكن بعد الحادث بأيام قليلة استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، لتلقي العزاء في شهداء التفجيرين.
البابا أصدر مؤخراً، بياناً قال فيه إن الكنيسة تعتذر عن استقبال المهنئين في عيد القيامة المجيد، نظراً لحالة الحزن بسبب الأحداث الإرهابية التي تعرضت لها كنيستي مارجرجس والمرقسية، وأنه لا يستطيع أن يخلط حزناً بفرح، مناشداً الشعب القبطي بتخصيص يوم العيد لزيارة المرضى والمصابين من أحداث طنطا والإسكندرية بالمستشفيات، وتقديم التبرعات لمن يحتاج المساعدة.
الثبات نفسه ظهر واضحاً على البابا، عقب تفجير الكنيسة البطرسية، الذي وقع في ديسمبر العام الماضي، ووقتها كان البابا في زيارة رعوية إلي اليونان، لكن بمجرد أن عرف ما حدث قطع زيارته وعاد إلي مصر، وأثناء تلقي العزاء، ألقي “تواضروس” كلمة قوية قال فيها، إن الجماعات الإرهابية التي هاجمت الكنيسة البطرسية تجردت من كافة المشاعر وأوجه الإنسانية، لافتاً إلى أن التأكيد على الوحدة بين صفوف أبناء الوطن العظيم أهم حلقة خلال المرحلة الحالية، وأن الشعب المصري معروف عنه في مثل هذه الظروف الوقوف جنباً إلى جنب.
وبين الحين والحين، يظهر البابا تواضروس مواقفه الوطنية، ليضع الكنيسة المصرية في صدارة المشهد الوطني، فالرجل ترأس وفداً كنسياً لزيارة قناة السويس الجديدة وتفقد العمل بها، وتبرع باسم الكنيسة بمبلغ مليون جنية، دون إصدار بيان رسمي أو ضجيج من الكنيسة حول التبرع.
والملاحظ أن هناك حالة من التوافق بين البابا والسيسي، فمنذ أن كان السيسي، وزيراً للدفاع، وهناك حالة من الاحترام والتقدير تجمعهما أساسها حب الوطن، ورغم أن البابا كان في دير مارمينا بالساحل الشمالي أثناء تظاهرات 30 يونيو 2013، فقد حرص علي أن يكون حاضراً في مشهد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو 2013، حيث استقبل وقتها، اتصالاً هاتفياً من القوات المسلحة ليكون بين الشخصيات الحاضرة في المشهد، وأرسل له الجيش طائرة خاصة أحضرته، وألقى كلمة أعرب فيها عن تأييده لثورة 30 يونيو.
لم يكتف البابا، بالدعم والتأييد والحضور، إذ وجه دعوة للشباب والأقباط والمجتمع بأسره للمشاركة في الاستفتاء على الدستور المصري، والمشاركة في الانتخابات الرئاسية وعدم المقاطعة.
بطريرك الكرازة المرقسية يقدر جيداً قيمة الوطن، ودائما ما يثبت ذلك بأفعاله وليس بكلامه فقط، وله دور بارز في حماية استقرار مصر، وعدم نشوب فتنة طائفية في العديد من المواقف، أبرزها موقفه من موجة حرق الكنائس التي أعقبت فض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة، واعتبر البابا الكنائس التي تم حرقها عبارة “قربانا” قدمتها الكنيسة للدولة للتأكيد على وطنية الكنيسة وأبناءها، قائلا: “الاعتداء على الكنائس ثمن بسيط يقدمه الأقباط للوطن من أجل الحرية”.
في جميع تصريحات البابا يؤكد أن الكنيسة مؤسسة روحية لا دخل لها بالسياسية ولكن دون التخلي عن واجباتها الوطنية تجاه أبناءها والمجتمع.
وأكد البابا تواضروس، خلال لقاء وفد من الكونجرس الامريكي عقب ثورة 30 يونيو، ان أوضاع المسيحيين المصريين تحسنت، وتابع “ان للحرية ثمن غالِ وان حرق الكنائس هو جزء من هذا الثمن نقدمه لبلادنا بصبر وحب”، معرباً عن امتنانه لالتزامهم القوي بالديمقراطية والإنصاف فضلاً عن دعمهم للشعب المصري.
ودائماً ما يثبت البابا أنه يقوم بدور وطني كبير، حيث قال خلال استقباله المستشارة الألمانية، إنجيلا ميركل بالكاتدرائية: “تحدث بين الوقت والآخر بعض المشكلات بسبب الفقر أو الجهل أو التعصب أو الازدحام، وتحاول الكنيسة مع الدولة أن تحل هذه المشكلات في إطار الأسرة المصرية الواحدة”.
وأعرب البابا عن أسفه لتعرض مصر لهجمات الإرهاب والعنف التي تعرقل المسيرة مضيفا: “لكنها لا توقف تقدمنا وإصرارنا على أن تحيا مصر في أفضل صورة”.