يحتفل المصريين اليوم، الخميس 18 نوفمبر 2021، بالعيد التاسع لجلوس البابا تواضروس على الكرسي الرسولي بالإسكندرية، ليصبح البابا 118 للكنيسة القبطية الأرثوذوكسية، وذلك منذ عام 2012.
في زمن ارتفعت فيه نبرة التطرف والغل الديني، وراح التطرف يكسب شرعية انتخابية في مصر وتونس والمغرب عبر الانتخابات البرلمانية، بينما راح يكسب مساحات جغرافية في سوريا والعراق بالإرهاب المسلح، لم يكن مطلوباً إلا ان يرتفع صوت التطرف داخل البيت المسيحي، لينقلب الشرق مهد الحضارات الى ساحة حرب دينية كما رغب الغرب مراراً..
في هذا التوقيت الصعب يرحل بابا الإسكندرية البابا شنودة الثالث، ويترقب الشعب المصري ما سوف تسفر عنه القرعة الهيكلية، ليظهر البابا تواضروس على الساحة.
خابت آمال كل من أراد أن يرى تطرفًا مسيحيا مضادا للتطرف الإسلامي، أتى البابا تواضروس لا من أجل نشر المحبة بل أتى من قلب فلسفة المحبة إلى الكرسي الرسولي بالإسكندرية، ليسقط أي محاولة لصناعة “مسيحية سياسية” متطرفة مضادة لمؤامرة الإسلام السياسي المتطرف.
يقول البابا تواضروس في حواره التليفزيوني الأخير مع CBC Extra News إن الكنيسة لا تعترف بما يسمى السياسة ولكنها تهتم بشؤون الوطن والمواطنة.
ولعل هذا المبدأ الهام في فصل الدين عن الدولة، وحدود تحرك رجل الدين في شؤون الوطن، هو الذي جعل البابا يتصل بشيخ الأزهر الإمام الأكبر يوم 19 يونيو 2013، وبحسب اللقاء التلفزيوني المشار إليه فإن البابا سؤل بقلق عن مستقبل مصر و”مصر رايحة على فين؟”.
وتقرر أن يذهب قداسة البابا وفضيلة الإمام إلى الاتحادية لمقابلة مندوب الجماعة الإرهابية الذي صعد إلى منصب رئاسة الجمهورية في غفلة من المصريين، وكان مؤلما لي أن أسمع قداسة البابا يقول إنه حينما قال “ماذا بعد 30 يونيو 2013” فلم يتلق إجابة رجل دولة أو رجلا مسؤولا، ولكن مندوبا للجماعة لم يحترم وجود شيخ الأزهر أو السؤال القادم من بابا المسيحيين، وأجاب في استظرافه المقزز: “بعد 30 يونيو سوف يكون 1 يوليو و2 يوليو و3 يوليو”!
رحل مندوب الجماعة وعرف العالم أجمع أنه جاسوس أجنبي، وبقى المصريون يدًا بيد، ولكن البابا تواضروس كان ينتظره مهمة تاريخية على الكرسي الرسولي، هذا الذي يطلق على الإدارة الباباوية التي أسسها أيا من رسل المسيح الاثنا عشر، ومن تلاميذ المسيح وصل إلى مصر مار مرقس مؤسس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وكرسي الإسكندرية الرسولي، والكرازة المرقسية، لتصبح مصر هي حاضنة ثالث كرسي رسولي في التاريخ بعد القدس (فلسطين) وانطاكية (سوريا).
هذا الكرسي الرسولي هو الذي قدم للعالم أجمع النظام البابوي، فأول بابا في تاريخ المسيحية هو القديس المصري إنيانوس البطريرك الثاني لكرسي الإسكندرية الرسولي، ونظام الرهبنة والأديرة المسيحية لم يخرج للعالم إلا من مصر وكنيستها الوطنية، إذ للكنيسة المصرية والثقافة القبطية والمسيحية المصرية فضل على كل كنائس ومسيحيين العالم عبر العصور.
ورغم هذه المسؤولية التاريخية، لم يفكر البابا تواضروس قط باعتباره رجل دين مصرى، ولكن في كافة قراراته تجد عباءة “الزعامة الوطنية” حاضرة، إذ حينما حاول العدو عبر الإسلام السياسي إشعال حرب أهلية عبر حرق الكنائس المصرية واستهداف الأديرة التاريخية، يقول البابا في الحوار المشار اليه: “كانت سوريا حاضرة في ذهني” قاصدا صناعة الاقتتال الأهلي والديني الذي جرى في سوريا وما نتج عنه من تحقيق هدف الغرب التاريخي من القضاء على كنائس الشرق التاريخية.
يقول البابا: “كنت خائفا من تصرف أحمق من طرف لطرف آخر يجعلنا نذهب إلى سيناريو سوريا” وقلت: “لو حرقوا الكنائس سوف نصلى مع إخوتنا في المساجد، ولو حرقوا المساجد سوف نصلى مع إخوتنا في الشوارع” و”وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن” وأخيرا “لو خسرنا الوطن.. ماذا يتبقى بعد ذلك؟
وتعالوا نمتلك الجرأة للقول إنه لا يوجد رجل دين في العالم سوف يقول إن الوطن أهم من دور العبادة إلا رأس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية، هذا البيان التاريخي للأمة المصرية في صيف 2013 هو السر في فهم لماذا استهدف الغرب طيلة تاريخه هذه الكنيسة المصرية، فالسر هو أنها المعقل الوحيد المنضبط لفكرة الدولة الوطنية والقومية بعد أن تلوثت أغلب العقول للأسف بفيروس التطرف الديني والدولة الدينية وديباجات حسن البنا وسيد قطب وغيرهم من منظرى إرهاب الإسلام السياسي، بينما تظل الكنيسة المصرية هي صاحبة صوت العقل وضابط الإيقاع حيال القيم المدنية ودولة المواطنة، في
وتعالوا نمتلك الجرأة للقول إنه لا يوجد رجل دين في العالم سوف يقول إن الوطن أهم من دور العبادة إلا رأس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية، هذا البيان التاريخي للأمة المصرية في صيف 2013 هو السر في فهم لماذا استهدف الغرب طيلة تاريخه هذه الكنيسة المصرية، فالسر هو أنها المعقل الوحيد المنضبط لفكرة الدولة الوطنية والقومية بعد أن تلوثت أغلب العقول للأسف بفيروس التطرف الديني والدولة الدينية وديباجات حسن البنا وسيد قطب وغيرهم من منظرى إرهاب الإسلام السياسي، بينما تظل الكنيسة المصرية هي صاحبة صوت العقل وضابط الإيقاع حيال القيم المدنية ودولة المواطنة، في ظل ظهور تطرف آخر مضاد يحاول أن يدفع فكرة دولة المواطنة والقومية المصرية إلى دروب الالحاد وهجر الأديان والتطاول على الذات الإلهية.
جيل، أن المصريين هم أقدم شعب متدين في العالم، وأن واحدة من أهم أسرار بقاء وتماسك هذه الأمة عبر 10 آلاف سنة هو علاقتها العتيدة بالسماء، وأن تفكيك هذه العلاقة هي واحدة من بنود المؤامرة على المرجعة الروحانية للشعب المصرى، وأن الدولة المدنية وقيم المواطنة والشعور القومى لا يمكن أن يتضارب مع الانتماء الديني وإلا نكون قد حققنا للإسلام السياسي هدفه ورؤيته بأن الدين والوطن لا يجتمعان، بينما كان تمسك المصريين المسيحيين عبر الكنيسة وعبر التاريخ بالدولة الوطنية خير شاهد على ان الوطنية والدين يجتمعان في بوتقة الحركة الوطنية والقومية
للورد كرومر، المندوب السامي للاحتلال البريطاني إلى مصر ما بين عامي 1882 و1906، وخلال تلك الفترة التي تصل إلى ربع قرن كان كرومر هو الحاكم الفعلى لمصر، ذكر في كتابه “مصر الحديثة” الصادر عام 1907 أنه عندما دخل البريطانيون مصر توقعوا أن يجدوا من المسيحيين، باعتبارهم نظراءهم في الدين، نوعا من التعاطف والتقارب، ولكن ذلك لم يتحقق وقال إنهم مصريين تماما مثل المسلمين، ثم كتب وصلة سباب للمصريين المسلمين والمسيحيين معا!
ولعل عدم مساندة المصريين المسيحيين للاحتلال البريطاني هو ما خلق ثأرا لدى الاستعمار الغربي حيال الكنيسة المصرية والمسيحيين المصريين، وحاولوا مرارا إما تسليط الإرهاب على الكنيسة المصرية، أو محاولة اختراقها، أو صنع كنائس موازية، أو بابا بديل، أو زرع كنائس بديلة، وكل هذا فشل في اختراق
شغل منصب المندوب السامي البريطاني ما بين عامي 1919 و1925التلاعب بهذا الملف عام 1922حينما أطلق تصريح 28 فبراير الذي يعنى عمليا استقلال مصر عن بريطانيا وتبقى ملف الجلاء الذي حسم عام 1956حيث رفضت الكنيسة أحد التحفظات التي وردت في إعلان 28 فبراير 1922 وهو الخاص بحماية الأقليات الدينية في مصر باعتباره حق لبريطانيا تحتفظ به للتدخل في الشؤون المصرية عقب الاستقلال، ورفض الأعضاء المسيحيون في لجنة وضع دستور 1923 تخصيص مقاعد لهم في البرلمان، فانتخب ويصا واصف رئيسا لمجلس النواب في عهد الملك فؤاد الأول مرتين بأصوات المسلمين، وكذا زعامة مكرم عبيد الوفدية سواء داخل حزب الوفد أو عبر حزب الكتلة الوفدية كانت تأتى بأصوات الناخبين المسلمين.
إيهاب عمر
نوفمبر 2021