فلك نـوح
(1) إنتشار الخطية وعقوبة الله (ع1-7):
1وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى الأَرْضِ وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ 2أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأُوا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا. 3فَقَالَ الرَّبُّ: «لاَ يَدِينُ رُوحِي فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَدِ. لِزَيَغَانِهِ هُوَ بَشَرٌ وَتَكُونُ أَيَّامُهُ مِئَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً». 4كَانَ فِي الأَرْضِ طُغَاةٌ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ أَيْضاً إِذْ دَخَلَ بَنُو اللهِ عَلَى بَنَاتِ النَّاسِ وَوَلَدْنَ لَهُمْ أَوْلاَداً – هَؤُلاَءِ هُمُ الْجَبَابِرَةُ الَّذِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ ذَوُو اسْمٍ. 5وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ. 6فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ. 7فَقَالَ الرَّبُّ: «أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ: الإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ السَّمَاءِ. لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي عَمِلْتُهُمْ».
ع1، 2: أولاد الله: أى أبنـاء شيث وأنوش الذين عاشوا مع الله وحملوا اسمه المبارك (ص4: 26).
بنات الناس : هم نسل قايين ودُعِين كذلك لأنهم عاشوا منشغلين بالجسد والإهتمامات المادية التى للناس.
توالد الناس وتكاثروا وكان نسل شيث يحيون مع الله منعزلين عن نسل قايين الذين انشغلوا بالكرامة والمقتنيات وتركوا عبادة الله. وأعجب أبناء شيث بالجمال المادى الذى لبنات قايين وتزوجوا بهن، فاختلط الخير مع الشر وساد الشر فى كل العالم. وهكذا لم يحتفظ أولاد الله بانعزالهم عن الشر عندما تهاونوا ففقدوا طهارتهم وانشغل الكل بشهوات العالم وابتعدوا عن الله.
? ليكن قلبك مصليًا من أجل العالم كله بل وتبحث عن خلاص نفوس الكل بجميع الوسائل ولكن احترس من أن تختلط بشر الأشرار فى كلامهم ومجالسهم وشهواتهم الشريرة. تمسك بوصايا الله وارفض كل شر مهما كان صغيرًا لترضى الله فى كل أعمالك.
ع3: لا يدين : لا يظل روحى يبكت الإنسان الشرير إلى الأبد إذ كان يبكتهم عن طريق الضمير ولكنهم يرفضون صوته.
زيغانه : إبتعاده عن الله وانهماكه فى الشهوات الشريرة.
هو بشر : هو إنسان مال إلى الشهوات المادية.
أيامه مئة وعشرين سنة : يعطيه الله فرصة أخيرة للتوبة 120 سنة وهى مدة بناء الفلك.
ضاق الله من شرور الإنسان المتزايدة ورفضه التوبة فقرر إهلاكه لأنه رفضه ولكنه أعطاه بحنانه الأبوى فرصة أخيرة للتوبة وهى فرصة طويلة مدتها 120 سنة سيعلن نوح أثناءها هلاك الأشرار إن لم يتوبوا.
ع4: طغاة : أبناء قايين الذين بحثوا عن الكرامة والمركز والتسلط.
الجبابرة : الأبناء الذين ولدوا من تزاوج أبناء شيث مع بنات قايين وعاشوا فى الشر وطلب المجد والكرامة الأرضية فصار لهم اسم على الأرض ولكنهم مرفوضون من الله.
لم يقتصر الشر والسيطرة على أبناء قايين بل انتشر فى العالم كله باختلاط أبناء شيث بأبناء قايين، فصار النسل كله شريرًا وبحثوا جميعًا عن القوة المادية وليس عن الله.
ع5، 6: لاحظ الله انتشار الشر فى العالم واستمرار الناس فى هذا الشر كل يوم ورفضهم المستمر للتوبة ولهذا يصور لنا الوحى المقدس مدى حزن الله لأن الإنسان لم يحقق قصده وهو الصداقة معه والسلوك فى طريق البر.
ع7: تأسف فى قلبه : تعبير بشرى يعنى حرفيًا “الندم” .. أما المقصود هنا هو تصوير مدى حزن قلب الله.
قرر الله إهلاك الأشرار لأن الإنسان لن يستفيد من بقائه على الأرض بل يزداد شرًا فتنتظره عقوبة أكبر، فمن رحمة الله وعدله قرَّر إنهاء حياته وفى نفس الوقت أعطاه فرصة أخيرة للتوبة لعله يرجع إليه؛ وقرَّر أيضًا إهلاك البهائم مع إنها لم تخطئ ولكنها تدنست بشر الإنسان الذى خلقت لأجله فلم يشكر الله على هذه الحيوانات بل على العكس استخدمها فى شهواته.
? لاحظ أيها الحبيب كم يحزن الشر قلب الله وكم تفرحه توبتك وعودتك، فكن إذًا مصدر لإسعاد قلبه ولا تجعل العدو يستخدمك لإيلامه حتى لا تقع تحت سلطان تأديبه.
(2) نوح المبارك (ع8-10):
8وَأَمَّا نُوحٌ فَوَجَدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ. 9هَذِهِ مَوَالِيدُ نُوحٍ: كَانَ نُوحٌ رَجُلاً بَارّاً كَامِلاً فِي أَجْيَالِهِ. وَسَارَ نُوحٌ مَعَ اللهِ. 10وَوَلَدَ نُوحٌ ثَلاَثَةَ بَنِينَ: سَاماً وَحَاماً وَيَافَثَ.
وسط الشر الذى ساد العالم وُجِدَت أسرة واحدة تخاف الله وتتمسك بالإيمان وهى أسرة نوح الذى عاش بالبر هو وزوجته وأولاده الثلاثة وزوجاتهم، بل كان كاملاً قدر ما استطاع مقارنةً بمن حوله ففرح به الله وسنده بنعمته ليحيا حياة القداسة. وكانت هذه هى الأسرة الوحيدة التى تفرح قلب الله فوجدت نعمة فى عينيه، وبالطبع لم تهلك مع الأشرار بل خلصها بنعمته وحفظها من الشر.
? نعمة الله تناديك لتحيا معه، فاسلك فى طريقه مستندًا على قوته واثقًا أنه ينجيك من كل شر ويشجعك على حياة البر.
(3) فساد الأرض وهلاك الإنسان (ع11-13):
11وَفَسَدَتِ الأَرْضُ أَمَامَ اللهِ وَامْتَلَأَتِ الأَرْضُ ظُلْماً. 12وَرَأَى اللهُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ قَدْ فَسَدَتْ إِذْ كَانَ كُلُّ بَشَرٍ قَدْ أَفْسَدَ طَرِيقَهُ عَلَى الأَرْضِ. 13فَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ: «نِهَايَةُ كُلِّ بَشَرٍ قَدْ أَتَتْ أَمَامِي لأَنَّ الأَرْضَ امْتَلَأَتْ ظُلْماً مِنْهُمْ. فَهَا أَنَا مُهْلِكُهُمْ مَعَ الأَرْضِ.
ع11-13: يظهر من هذه الآيات ليس فقط انتشار الشر والفساد فى العالم، بل أيضًا أن كل إنسان صنع شرًا وبالتالى فهو مسئول عن إفساد نفسه فالله لا يأخذ أحدًا بخطأ غيره. وتظهر أيضًا دالة نوح عند الله إذ يخبره بقرار إهلاك العالم الشرير وذلك لأنه الشخص الوحيد المؤمن بالله هو وأسرته وهو الذى سيحمل بشارة التوبة مدة 120 سنة للعالم كله بصنعه الفلك أمامهم لعلهم يرجعوا إلى الله ويتركوا خطاياهم ويدخلوا الفلك معه.
? لا تستهن بصوت الله الذى يناديك للتوبة والرجوع عن خطاياك سواء فى الكتاب المقدس أو الكنيسة أو على لسان المحيطين بك فالله يحبك وينتظر رجوعك. فقدم توبة اليوم وجدد عهدك معه لتستعيد سلامك وتفرح قلبه.
(4) بناء الفلك (ع14-22):
14اِصْنَعْ لِنَفْسِكَ فُلْكاً مِنْ خَشَبِ جُفْرٍ. تَجْعَلُ الْفُلْكَ مَسَاكِنَ وَتَطْلِيهِ مِنْ دَاخِلٍ وَمِنْ خَارِجٍ بِالْقَارِ. 15وَهَكَذَا تَصْنَعُهُ: ثَلاَثَ مِئَةِ ذِرَاعٍ يَكُونُ طُولُ الْفُلْكِ وَخَمْسِينَ ذِرَاعاً عَرْضُهُ وَثَلاَثِينَ ذِرَاعاً ارْتِفَاعُهُ. 16وَتَصْنَعُ كَوّاً لِلْفُلْكِ وَتُكَمِّلُهُ إِلَى حَدِّ ذِرَاعٍ مِنْ فَوْقُ. وَتَضَعُ بَابَ الْفُلْكِ فِي جَانِبِهِ. مَسَاكِنَ سُفْلِيَّةً وَمُتَوَسِّطَةً وَعُلْوِيَّةً تَجْعَلُهُ. 17فَهَا أَنَا آتٍ بِطُوفَانِ الْمَاءِ عَلَى الأَرْضِ لِأُهْلِكَ كُلَّ جَسَدٍ فِيهِ رُوحُ حَيَاةٍ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ. كُلُّ مَا فِي الأَرْضِ يَمُوتُ. 18وَلَكِنْ أُقِيمُ عَهْدِي مَعَكَ فَتَدْخُلُ الْفُلْكَ أَنْتَ وَبَنُوكَ وَامْرَأَتُكَ وَنِسَاءُ بَنِيكَ مَعَكَ. 19وَمِنْ كُلِّ حَيٍّ مِنْ كُلِّ ذِي جَسَدٍ اثْنَيْنِ مِنْ كُلٍّ تُدْخِلُ إِلَى الْفُلْكِ لِاسْتِبْقَائِهَا مَعَكَ. تَكُونُ ذَكَراً وَأُنْثَى. 20مِنَ الطُّيُورِ كَأَجْنَاسِهَا وَمِنَ الْبَهَائِمَ كَأَجْنَاسِهَا وَمِنْ كُلِّ دَباَّبَاتِ الأَرْضِ كَأَجْنَاسِهِ. اثْنَيْنِ مِنْ كُلٍّ تُدْخِلُ إِلَيْكَ لِاسْتِبْقَائِهَا. 21وَأَنْتَ فَخُذْ لِنَفْسِكَ مِنْ كُلِّ طَعَامٍ يُؤْكَلُ وَاجْمَعْهُ عِنْدَكَ فَيَكُونَ لَكَ وَلَهَا طَعَاماً». 22فَفَعَلَ نُوحٌ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَهُ بِهِ اللهُ. هَكَذَا فَعَلَ.
ع14: جفر : هو خشب السرو أو الكافور وهى أشجار خشبها متين لا يسوس وارتفاعها كبير.
مساكن : طوابق فيكون الفلك ثلاثة طوابق سفلى ومتوسط وعلوى.
القار : هو الزفت الذى يتكون من مخلفات المواد البترولية.
أمر الله نوح أن يصنع الفلك وهو عبارة عن سفينة كبيرة مغطاة من أعلاها، ويتكون الفلك من ثلاثة طوابق يصنعها من خشب الجفر المتين الذى لا يسوس ثم يطليه من الخارج والداخل بالقار ليمنع نفاذ الماء من خلال الخشب. والقار يرمز لأهمية حماية الإنسان نفسه من دخول أفكار العالم إليه ليتمتع بالطهارة التى تظهر من الخارج فى سلوكه ومن الداخل فى أفكاره ونيات قلبه.
ع15: أبعاد الفلك هى 300 ذراع أى 135 متر لأن الذراع هو ذراع إنسان أى 45سم، والعـرض 50 ذراعًا أى 22.5 متـرًا أما الإرتفاع فثلاثين ذراعًا أى 13.5 مترًا. والطول (300) أى حاصل ضرب (100 × 3) ورقم 100 يرمز إلى شعب الله كما قال فى مثل الخروف الضال (مائة خروف) أما الثلاثة فترمز للثالوث القدوس، والمعنى شعب الله المؤمن به.
أما عرض خمسين فهو مثل سنة اليوبيل الخمسين التى يُعتَق فيها العبيد والمحكوم عليهم بالمـوت نتيجة قتلهم الخطأ لأحد، ويوم الخمسين أيضًا هو الذى حلَّ فيه الروح القدس، فرقم (50) يرمز لغفران الله ومحبته، أما الإرتفاع فهو (30) مثل إرتفاع يوسف إلى عرش مصر فى سن الثلاثين والمعنى الإرتفاع إلى الله أى الرجاء فيه وبالتالى فمعنى الأبعاد هو الإيمان والمحبة والرجاء.
ع16: أمره أن يصنع للفلك كوًا أى نوافذ تكون فى الطابق العلوى لأن الفلك ثلاثة طوابق وتكون على بعد ذراع من سقف الفلك وهى لرؤية السماء والأمطار من خلالها وترمز لنظر الإنسان إلى السماء أى يكون روحانيًا.
أما الباب فيكون فى جانب الفلك لدخول الإنسان والحيوان من خلاله، وهو فى جانب الفلك فيرمز إلى جنب المسيح المطعون الذى نجد من خلاله خلاصنا وفداءنا.
ع17: يعلن غرض بناء الفلك وهو حماية الإنسان والحيوان من الفناء بالطوفان الذى يأتى على العالم بسبب شره، وكل من يؤمن بالله يدخل إلى الفلك فينجو من الهلاك. لذلك تبنى الكنائس على شكل فلك لأننا بها نجد خلاصنا ولا خلاص خارج الكنيسة.
ع18: عهد الله مع نوح أن يحفظه من الهلاك بسبب إيمانه. فالعهد دائمًا بين طرفين يوفى كل منهما واجباته، الإنسان واجبه الإيمان والحياة مع الله، والله مسئوليته أن يحفظ الإنسان من الهلاك ويعطيه حياة وسعادة معه.
? ليتك تتمتع بالعهود مع الله فهو مستعد أن يعطيك محبته اللانهائية ويحفظك فى كل طرقك إن كنت تظل أمينًا فى تنفيذ عهودك. وإن قصرت فهو طويل الأناة فارجع إليه سريعًا لتتمتع بحبه.
ع19، 20: أمره أيضًا أن يأخذ اثنين من كل حيوان أى ذكرًا وأنثى من جميع الحيوانات بأنواعها المختلفة، سواء الدواب أو الزحافات أو الطيور … إلخ وذلك ليبقى لها نسلاً.
ع21، 22: اهتم الله أيضًا بطعام نوح والحيوانات فأمره أن يجمع من النباتات ما يكفيه هو وكل من معه، وأطاع نوح كل أوامر الله.