ميثـاق الله لنـوح
(1) بركة الله لنوح (ع1-7):
1وَبَارَكَ اللهُ نُوحاً وَبَنِيهِ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلَأُوا الأَرْضَ. 2وَلْتَكُنْ خَشْيَتُكُمْ وَرَهْبَتُكُمْ عَلَى كُلِّ حَيَوَانَاتِ الأَرْضِ وَكُلِّ طُيُورِ السَّمَاءِ مَعَ كُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ وَكُلِّ أَسْمَاكِ الْبَحْرِ. قَدْ دُفِعَتْ إِلَى أَيْدِيكُمْ. 3كُلُّ دَابَّةٍ حَيَّةٍ تَكُونُ لَكُمْ طَعَاماً. كَالْعُشْبِ الأَخْضَرِ دَفَعْتُ إِلَيْكُمُ الْجَمِيعَ. 4غَيْرَ أَنَّ لَحْماً بِحَيَاتِهِ دَمِهِ لاَ تَأْكُلُوهُ. 5وَأَطْلُبُ أَنَا دَمَكُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَقَطْ. مِنْ يَدِ كُلِّ حَيَوَانٍ أَطْلُبُهُ. وَمِنْ يَدِ الإِنْسَانِ أَطْلُبُ نَفْسَ الإِنْسَانِ مِنْ يَدِ الإِنْسَانِ أَخِيهِ. 6سَافِكُ دَمِ الإِنْسَانِ بِالإِنْسَانِ يُسْفَكُ دَمُهُ. لأَنَّ اللهَ عَلَى صُورَتِهِ عَمِلَ الإِنْسَانَ. 7فَأَثْمِرُوا أَنْتُمْ وَاكْثُرُوا وَتَوَالَدُوا فِي الأَرْضِ وَتَكَاثَرُوا فِيهَا».
ع1: أعطى الله بركة لنوح وبنيه ليتناسلوا فيلدوا بنينًا وبنات يملأون بهم الأرض كما بارك آدم قديمًا بنفس البركة (ص1: 28) لأن نوح هو بدء البشرية الجديدة بعد الطوفان.
? لتكن لك الثمار الروحية والفضائل ولتنمو فى محبة الله وتملأ الأرض حولك بأعمال الخير رافعًا صلوات وتسابيح، فتحقق كل يوم الغرض من خلقتك وتصير بالحقيقة رأسًا للخليقة ونورًا للعالم.
ع2، 3: إذ أرضى الإنسان الله أعطاه سلطانًا على كل الحيوانات، فرغم أن الكثير منها أضخم وأقوى من الإنسان ولكنه يسود عليها بحكمته وإرشاد الله لـه، وهكذا يؤكد الله أن الإنسان هو رأس الخليقة. وكان طعام الإنسان حتى هذا الوقت هو النباتات وثمار الأشجار، ولكن سمح له الله الآن بأكل اللحوم والحيوانات والطيور سواء التى على الأرض أو فى البحر وكل ما يطير فى السماء، أى أن الإنسان كان نباتيًا حتى الطوفان ولذا كان عمره طويلاً.
ع4: حذر الله البشرية من شرب الدم أو أكل اللحم بالدم وقد أكدت المسيحية ذلك فى مجمع أورشليم عام 50م (أع15: 29) وذلك لما يأتى :
- شرب الدم يثير الغرائز.
- الدم يمثل حياة الحيوان والإنسان والله وحده هو واهب الحياة فعدم شرب الدم هو احترام لسر الحياة ولله واهبه.
ع5، 6: يحذر الله الإنسان أيضًا من التطاول بعد ذبحه للحيوان فيذبح أو يقتل الإنسان. ويعلن أهمية حياة الإنسان فى نظره وأنه سيعاقب القاتل، سواء كان حيوانًا كما نص فى شريعة موسى (خر21: 28-31) أو إنسانًا، وذلك بأن يعاقبه الله مباشرة أو عن طريق القوانين المدنية التى تعاقب القاتل وذلك لأن الإنسان هو صورة الله فحياته غالية.
ع7: يؤكد نفس معنى بركة الله المذكورة فى (ع1).
(2) الميثاق (ع8-17):
8وَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ وَبَنِيهِ: 9«وَهَا أَنَا مُقِيمٌ مِيثَاقِي مَعَكُمْ وَمَعَ نَسْلِكُمْ مِنْ بَعْدِكُمْ 10وَمَعَ كُلِّ ذَوَاتِ الأَنْفُسِ الْحَيَّةِ الَّتِي مَعَكُمِْ: الطُّيُورِ وَالْبَهَائِمِ وَكُلِّ وُحُوشِ الأَرْضِ الَّتِي مَعَكُمْ مِنْ جَمِيعِ الْخَارِجِينَ مِنَ الْفُلْكِ حَتَّى كُلُّ حَيَوَانِ الأَرْضِ. 11أُقِيمُ مِيثَاقِي مَعَكُمْ فَلاَ يَنْقَرِضُ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَيْضاً بِمِيَاهِ الطُّوفَانِ. وَلاَ يَكُونُ أَيْضاً طُوفَانٌ لِيُخْرِبَ الأَرْضَ». 12وَقَالَ اللهُ: «هَذِهِ عَلاَمَةُ الْمِيثَاقِ الَّذِي أَنَا وَاضِعُهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ كُلِّ ذَوَاتِ الأَنْفُسِ الْحَيَّةِ الَّتِي مَعَكُمْ إِلَى أَجْيَالِ الدَّهْرِ: 13وَضَعْتُ قَوْسِي فِي السَّحَابِ فَتَكُونُ عَلاَمَةَ مِيثَاقٍ بَيْنِي وَبَيْنَ الأَرْضِ. 14فَيَكُونُ مَتَى أَنْشُرْ سَحَاباً عَلَى الأَرْضِ وَتَظْهَرِ الْقَوْسُ فِي السَّحَابِ 15أَنِّي أَذْكُرُ مِيثَاقِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ كُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ فِي كُلِّ جَسَدٍ. فَلاَ تَكُونُ أَيْضاً الْمِيَاهُ طُوفَاناً لِتُهْلِكَ كُلَّ ذِي جَسَدٍ. 16فَمَتَى كَانَتِ الْقَوْسُ فِي السَّحَابِ أُبْصِرُهَا لأَذْكُرَ مِيثَاقاً أَبَدِيّاً بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ كُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ فِي كُلِّ جَسَدٍ عَلَى الأَرْضِ». 17وَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ: «هَذِهِ عَلاَمَةُ الْمِيثَاقِ الَّذِي أَنَا أَقَمْتُهُ بَيْنِي وَبَيْنَ كُلِّ ذِي جَسَدٍ عَلَى الأَرْضِ».
ع8-10: تظهر أبوة الله فى اهتمامه بالإنسان الذى قد يعيش فى خوف من الهلاك الشامل كما حدث فى الطوفان، فلكيما يعطيه طمأنينة قطع عهدًا معه فى شخص نوح ولكنه مُعطى لبنيه وكل البشرية التى تأتىمنه ولكل الحيوانات التى تخدمه. وهذا العهد هو عطاء حب من جانب واحد وهو الله، لا يرتبط بأمانة الإنسان وتجاوبه مع الله ليظهر محبة الله وحنانه وطول أناته التى تذكر الإنسان بشناعة الخطية وعقوبتها أى الهلاك وكيف أن الله يحجزها عن الإنسان ليعطيه فرصة للتوبة.
ع11: العهد والميثاق هو عدم إهلاك البشرية بطوفان مرة أخرى.
ع12-17: علامة الميثاق والعهد تظهر عندما تهطل الأمطار، فحتى لا يخاف الإنسان من تزايدها لدرجة هلاك العالم، يعطى الله علامة فى السماء تظهر فى السحب وهى ما يعرف بقوس قزح أى إنكسار أشعة الشمس على ذرات الماء فى السحب فتظهر ألوان الطيف السبعة. وهذا العهد مازال يحدث حتى الآن كلما نزلت الأمطار بشدة.
وكما كان غضب الله من خلال الطبيعة بالطوفان أعطى أيضًا علامة حبه ورعايته من خلال الطبيعة بقوس قزح.
والعلامة هى قوس، فكما يدافع الإنسان عن نفسه باستخدام القوس والسهام يدافع الله عن أولاده ويحميهم من عقاب خطاياهم بعلامة قوس قزح لينبههم إلى حبه ويدعوهم للتوبة فينالوا خلاصهم.
وفى سفر الرؤيا يظهر الله محبته بظهور قوس قزح حول عرشه السماوى رمزًا لحبه ورعايته لأولاده (رؤ4: 3 ، 10: 1).
وفى العهد الجديد يظهر الله حبه فى حمله خطايانا على الصليب ثم يعطينا علامة حبه محسوسًا فى أسرار الكنيسة.
وعندما يقول أذكر ميثاقى ليس معناه أن الله كان ناسيًا ولكنه يعبر بالطريقة التى يفهمها البشر ويقصد تنبيههم إلى مراحمه الدائمة واهتمامه بهم فيطمأنهم ويبعدهم عن الشر.
? تأمل مراحم الله عليك فى حياتك السابقة وإن استطعت فاكتبها عندك ليطمئن قلبك فلا تقلق من الظروف المحيطة بك بل تشكره وتسعى للإلتصاق به والتنازل عن شهواتك الردية.
ونلاحظ أن نوح يرمز للمسيح فيما يلى :
- وجد نوح نعمة فى عينى الله لأجل بره، والمسيح ناداه الآب من السماء “هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت” (مت 3 : 17).
- أطاع الله نوح وبنى الفلك الذى خلص به المؤمنين بالله، والمسيح أطاع الآب فاقتنى كنيسته التى يخلص بها كل المؤمنين به.
- رفض العالم بشارة نوح بالتوبة والدخول إلى الفلك، والمسيح رفضت أمته اليهودية بشارته واستهزأوا به بل وصلبوه.
- خلص نوح ومن معه فى الفلك الذى يسبح فى المياه وخرجوا لحياة جديدة، والمسيح يخلص المؤمنين به فى ماء المعمودية ويلدهم ميلادًا جديدًا.
- قّدم نوح ذبيحة شكر لله بعد خروجه من الفلك، والمسيح يقدم جسده ودمه ذبيحة شكر (إفخارستيا) على المذبح كل يوم.
- وعد الله نوح بعدم إهلاك العالم بطوفان مرة أخرى وأعطاه علامة هى قوس قزح، والله يعد كل المؤمنين بابنه بالخلاص والملكوت وأعطاهم العلامة وهى الصليب.
(3) عرى نوح (ع18-29):
18وَكَانَ بَنُو نُوحٍ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنَ الْفُلْكِ سَاماً وَحَاماً وَيَافَثَ. وَحَامٌ هُوَ أَبُو كَنْعَانَ. 19هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ بَنُو نُوحٍ. وَمِنْ هَؤُلاَءِ تَشَعَّبَتْ كُلُّ الأَرْضِ. 20وَابْتَدَأَ نُوحٌ يَكُونُ فَلَّاحاً وَغَرَسَ كَرْماً. 21وَشَرِبَ مِنَ الْخَمْرِ فَسَكِرَ وَتَعَرَّى دَاخِلَ خِبَائِهِ. 22فَأَبْصَرَ حَامٌ أَبُو كَنْعَانَ عَوْرَةَ أَبِيهِ وَأَخْبَرَ أَخَوَيْهِ خَارِجاً. 23فَأَخَذَ سَامٌ وَيَافَثُ الرِّدَاءَ وَوَضَعَاهُ عَلَى أَكْتَافِهِمَا وَمَشَيَا إِلَى الْوَرَاءِ وَسَتَرَا عَوْرَةَ أَبِيهِمَا وَوَجْهَاهُمَا إِلَى الْوَرَاءِ. فَلَمْ يُبْصِرَا عَوْرَةَ أَبِيهِمَا. 24فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ نُوحٌ مِنْ خَمْرِهِ عَلِمَ مَا فَعَلَ بِهِ ابْنُهُ الصَّغِيرُ 25فَقَالَ: «مَلْعُونٌ كَنْعَانُ. عَبْدَ الْعَبِيدِ يَكُونُ لإِخْوَتِهِ». 26وَقَالَ: «مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلَهُ سَامٍ. وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْداً لَهُ. 27لِيَفْتَحِ اللهُ لِيَافَثَ فَيَسْكُنَ فِي مَسَاكِنِ سَامٍ. وَلْيَكُنْ كَنْعَانُ عَبْداً لَهُمْ». 28وَعَاشَ نُوحٌ بَعْدَ الطُّوفَانِ ثَلاَثَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً. 29فَكَانَتْ كُلُّ أَيَّامِ نُوحٍ تِسْعَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَمَاتَ.
ع18، 19: يذكر أولاد نوح الذين بدأوا يتوالدون فى الأرض ويذكر اسم ابن أحدهم وهو كنعان ابن حام لدوره فى الحدث التالى عندما سكر نوح.
ع20: يبدو أن نوح قد انشغل بعد خروجه من الفلك فى بناء مساكن له ولأولاده وعندما استقرت الأمور المعيشية بدأ يعمل فى الزراعة فغرس حقلاً من العنب.
ع21: أصبحت الحياة مريحة فجلس يشرب من عصير العنب المختمر داخل خيمته (خبائه) وانغمس فى التلذذ بالشرب، فشرب كثيرًا حتى سكر وفقد وعيه فتعرى من ثيابه كلها. وكان هذا التصرف فى غاية الغرابة لأنه يختص بقديس حفظ نفسه نقيًا طوال 600 سنة رغم كثرة الأشرار المحيطين به والمنغمسين فى شهواتهم ومن ضمنها السكر الذى يؤدى إلى التعرى من الثياب والسقوط فى خطايا مختلفة، ولكن يبدو أنه بعدما نال العهد الإلهى واستراح فى كل أمور حياته تخلى عن تدقيقه وحرصه ضد الخطية، فاستباح الإنهماك فى اللذة حتى سكر وظهرت آثار خطية السكر وهو الخزى الذى حلَّ به عندما تعرى.
? كن مدققًا طوال حياتك ولا تتهاون مع الشر وعندما يحفظك الله من حروب الشياطين إنتهزها فرصة للنمو الروحى، فلا تتهاون مع الخطية مهما كانت صغيرة لئلا تتعرى من ثياب برك.
ع22: مرَّ حام ابن نوح بخيمة أبيه فلاحظ سكره وعريه، فلم يستر عليه ويغطيه بل على العكس استهزأ به وذهب ليشهر به أمام إخوته سام ويافث. ويبدو أن كنعان اشترك معه فى رؤية نوح وهو عريان والإستهزاء به، وقد يكون كنعان هو أول من رأى جده متعريًا وأخبر أباه حام فجاء ورآه واشترك فى الإستهزاء والتشهير به، ولذا جاءت اللعنة بعد ذلك لكنعان.
ع23: كان تصرف سام ويافث فى منتهى الإتزان، فلم يفقدا احترامهما لأبيهما بسبب خطيته بل فكرا تفكيرًا إيجابيًا كيف يستران عليه، فأخذا رداءً وهو غالبًا بشكل عباءة وذهبا إلى الخيمة وقبل أن يقتربا منها أعطيا ظهريهما لباب الخيمة ووضعا الرداء على ظهريهما وسارا نحو الباب وسترا أباهما دون أن يرياه فى عريه ولم يشتركا فى الإستهزاء بأبيهما بل قد يكونا قد عاتبا حام وكنعان على ما فعلاه.
ع24-27: عندما أفاق نوح من سكره ورأى نفسه مغطى بالرداء، سأل أولاده وعلم ما حدث منهم وتضايق من تصرف كنعان حفيده نحوه، وبروح النبوة عاقب كنعان بأنه سيكون عبدًا لإخوته أى أن نسله سيكون مستعبدًا لنسل إخوته ولم يلعن أباه حام لأن الله قد باركه مع إخوته (ع1)، وقد حدث هذا فعلاً بتسلط نسل سام ويافث على الكنعانيين، فشعب الله بقيادة يشوع دخل أرض كنعان وتسلط عليهم. أما نسل سام ويافث فتنبأ لهم بالبركة وقد حدث هذا فعلاً فقد أتى الآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب من نسل سام وكذا شعب الله وموسى ثم المسيح. وبارك أيضًا فى نسل يافث وهم الذين سكنوا قارة أوربا. واللعنة كانت على كنعان فقط ابن حام وليس كل أبناء حام مثل كوش ومصرايم الذين سكنوا فى أفريقيا. وقد سكن نسل يافث أى الأوربيين فى الشرق وأفريقيا والأمريكتين وأستراليا كما تنبأ لهم نوح.
ع28، 29: عاش نوح كثيرًا فأكمل 950 سنة فهو ثالث إنسان فى طول العمر بعد متوشالح ويارد ولكن بعد ذلك قصر عمر الإنسان.
ويمكن تلخيص حياة نوح فيما يلى:
- نوح يجد نعمة فى عينى الله وسط الأشرار. (ص6)
- أمر الله له ببناء الفلك. (ص6)
- بناء الفلك وإدخال الحيوانات ثم أسرته. (ص6، 7)
- الطوفـــــان (ص7)
- تناقص المياه واستقرار الفلك على جبل أراراط (ص8)
- إرساله الغراب والحمامة ثم خروجه من الفلك. (ص8)
- بناء مذبح وتقديم ذبيحة شكر. (ص8)
- وعد الله بعدم إهلاك العالم مرة ثانية بطوفان وإعطائه علامة قوس قزح. (ص9)
- سكره وتعريه وستر ابنيه له ولعنه لكنعان. (ص9)
- موت نوح ومواليده. (ص 9 ، 10)