عهد الله مع إبرام والذبائح المشقوقة
(1) الوعد بالبركة (ع1-7):
1بَعْدَ هَذِهِ الأُمُورِ صَارَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى أَبْرَامَ فِي الرُّؤْيَا: «لاَ تَخَفْ يَا أَبْرَامُ. أَنَا تُرْسٌ لَكَ. أَجْرُكَ كَثِيرٌ جِدّاً». 2فَقَالَ أَبْرَامُ: «أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ مَاذَا تُعْطِينِي وَأَنَا مَاضٍ عَقِيماً وَمَالِكُ بَيْتِي هُوَ أَلِيعَازَرُ الدِّمَشْقِيُّ؟» 3وَقَالَ أَبْرَامُ أَيْضاً: «إِنَّكَ لَمْ تُعْطِنِي نَسْلاً وَهُوَذَا ابْنُ بَيْتِي وَارِثٌ لِي». 4فَإِذَا كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيْهِ: «لاَ يَرِثُكَ هَذَا. بَلِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَحْشَائِكَ هُوَ يَرِثُكَ». 5ثُمَّ أَخْرَجَهُ إِلَى خَارِجٍ وَقَالَ: «انْظُرْ إِلَى السَّمَاءِ وَعُدَّ النُّجُومَ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعُدَّهَا». وَقَالَ لَهُ: «هَكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ». 6فَآمَنَ بِالرَّبِّ فَحَسِبَهُ لَهُ بِرّاً. 7وَقَالَ لَهُ: «أَنَا الرَّبُّ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أُورِ الْكِلْدَانِيِّينَ لِيُعْطِيَكَ هَذِهِ الأَرْضَ لِتَرِثَهَا».
ع1: ترس : قطعة خشبية تغطى بالجلد ولها عروة يدخل فيها الجندى يده، ويستخدم الترس فى صد السهام الملقاة عليه فيحمى بها وجهه وجسمه.
ظهر الله لإبرام للمرة الخامسة وهو داخل خيمته ليلاً وواضح من هذا ظهورات الله الكثيرة له حتى سمى صديقًا أو خليلاً لله لأنه تجرد عن العالم وعاش فى البرية وتفرغ لمعرفة الله فظهر له كثيرًا وصارا صديقين. وحديث الله معه يشمل ثلاثة أمور :
- لا تخف : من كدرلعومر وكل من معه إن حاولوا محاربتك لأنى معك. ولا تخف أيضًا من القبائل المحيطة بك أو أى شئ يمر بحياتك.
- أنا ترس لك : يقدم الله نفسه حماية لإبراهيم كالترس الذى يحمى به الجندى نفسه، وكما يتحرك الترس ليحمى الجندى سواء رأسه أو جسمه فكم بالأولى الله الذى يحيط بإبرام فيحميه حماية كاملة.
- أجرك عظيم جدًا : إن كنت يا إبرام قد تنازلت عن الغنائم التى أخذتها من كدرلعومر، فعلى قدر تعففك أعطيك بركة لا يتخيلها عقل وهى أن يكون نسلك كنجوم السماء وتكون بركة للعالم كله بالمسيح الآتى من نسلك.
- تذكر دائمًا إلهك القوى المحب الذى يحميك ويحفظك فى كل خطواتك فلا تضطرب من تقلبات العالم أو تهديدات الأشرار أو المستقبل المجهول وتذكر دائمًا وردد كل يوم قول الله لك مع إبرام “أنا ترس لك”.
ع2، 3: فرح إبرام بظهور الله له، وبدالة الحب والصداقة سأله عن تفاصيل الأجر العظيم إذ لم يكتفِ بالممتلكات ولكن ذكره بوعده له أن يعطيه نسلاً مع أنه ليس له حتى الآن ابن بل إن مات فسيرثه رئيس عبيده المقرب إليه وهو أليعازر الدمشقى الذى ولد فى بيته إذ أن أباه وأمه كانا عبيدًا له.
ع4: أعلن الله لإبرام أنه سيعطيه نسلاً من امرأته سارة ولن يرثه أحد عبيده.
ع5: تأكيدًا لوعد الله، أخرج إبرام من الخيمة ليلاً وقال له أنظر إلى نجوم السماء وحاول أن تعدها، فهى بالطبع كثيرة جدًا ولا يمكن حصرها، هكذا يكون نسلك من الكثرة كعدد النجوم ولا يمكن أن يعد.
ع6: يظهر هنا إيمان إبراهيم العظيم بالله، فرغم أن الكلام يفوق العقل إذ هو رجل عجوز والله يعده بنسل لا يمكن أن يُعَدّ، ولكنه آمن فصار هذا دليلاً على بره وصلاحه.
ع7: أعاد الله وعده له بأن يعطيه أرض كنعان ميراثًا له ولنسله كما قال له عندما أخرجه من مدينته أورالكلدانيين.
(2) الذبائح المشقوقة (ع8-11):
8فَقَالَ: «أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ بِمَاذَا أَعْلَمُ أَنِّي أَرِثُهَا؟» 9فَقَالَ لَهُ: «خُذْ لِي عِجْلَةً ثُلاَثِيَّةً وَعَنْزَةً ثُلاَثِيَّةً وَكَبْشاً ثُلاَثِيّاً وَيَمَامَةً وَحَمَامَةً». 10فَأَخَذَ هَذِهِ كُلَّهَا وَشَقَّهَا مِنَ الْوَسَطِ وَجَعَلَ شِقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مُقَابِلَ صَاحِبِهِ. وَأَمَّا الطَّيْرُ فَلَمْ يَشُقَّهُ. 11فَنَزَلَتِ الْجَوَارِحُ عَلَى الْجُثَثِ وَكَانَ أَبْرَامُ يَزْجُرُهَا.
ع8: لم يكن سؤال إبرام تشككًا بل طلبًا لعلامة إذ لم يقل كيف بل بماذا، كما سألت السيدة العذراء الملاك جبرائيل عن ولادتها للمسيح وهى تريد أن تظل بتولاً فأعلمها أن الولادة من الروح القدس وليست من رجل.
- ليكن لك دالة أمام الله واطلب منه ما تشاء ليثبت إيمانك ويسندك فهو أبوك الذى يحبك. وإن حاربك أى شك فى كلام الله فردد أى مزمور أو صلاة لتثبت فى إيمانك.
ع9، 10: إعتاد الناس فى ذلك الزمان أن يقطعوا عهودهم بذبح حيوان وشقه نصفين ووضعهما على الجانبين ومرور المتعاهدين بينهما دليلاً على تثبيت العهد، وهذا رمز لدم المسيح الذى يثبت العهد بيننا وبين الله والذى نتناوله فى العهد الجديد جسدًا ودمًا حقيقيين. فطلب الله من إبرام أن يقطع معه عهدًا بنفس الأسلوب الذى يعمله الناس فى زمانه وطلب منه أن يحضر عجلة عمرها ثلاث سنوات وعنزة عمرها ثلاث سنوات أيضًا وكذلك كبشًا فى نفس العمر ويشق الثلاثة كل واحد إلى نصفين ويضع كل نصف أمام الآخر ويترك بينهما مسافة ليمرّ هو والله بينهما. وطلب منه الله أيضًا أن يذبح يمامة وحمامة دون أن يشقهما، ولعله وضعهما كل واحدة مقابل الأخرى على الجانبين.
ويكون عمرها ثلاث سنوات هو رمز للثالوث القدوس، وترمز الحيوانات إلى النفوس التى تميل إلى الشهوات الحيوانية والطيور إلى النفوس التى تميل إلى السماويات وشق الحيوانات يرمز إلى الانشقاقات والتحزبات التى تحدث بين الذين يميلون إلى الشهوات والعالم أما الروحانيون فلا يحدث بينهم إنشقاقات.
ع11: ذبح إبرام الذبائح وشقها ووضعها منذ الصباح منتظرًا ظهور الله بالشكل الذى يراه حتى يمر معه بين الذبائح المشقوقة، وكانت الطيور الجارحة تقترب محاولة أكل هذه الذبائح فكان إبرام يجلس بجوارها منتبهًا ويبعدها.
وترمز الطيور الجارحة للأفكار الشريرة التى تهاجم الإنسان ولا يستطيع منعها ولكن يمكنه أن يبعدها بالصلاة وطلب معونة الله.
(3) عهد الله مع إبرام (ع12-21):
12وَلَمَّا صَارَتِ الشَّمْسُ إِلَى الْمَغِيبِ وَقَعَ عَلَى أَبْرَامَ سُبَاتٌ وَإِذَا رُعْبَةٌ مُظْلِمَةٌ عَظِيمَةٌ وَاقِعَةٌ عَلَيْهِ. 13فَقَالَ لأَبْرَامَ: «اعْلَمْ يَقِيناً أَنَّ نَسْلَكَ سَيَكُونُ غَرِيباً فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ لَهُمْ وَيُسْتَعْبَدُونَ لَهُمْ فَيُذِلُّونَهُمْ أَرْبَعَ مِئَةِ سَنَةٍ. 14ثُمَّ الأُمَّةُ الَّتِي يُسْتَعْبَدُونَ لَهَا أَنَا أَدِينُهَا. وَبَعْدَ ذَلِكَ يَخْرُجُونَ بِأَمْلاَكٍ جَزِيلَةٍ. 15وَأَمَّا أَنْتَ فَتَمْضِي إِلَى آبَائِكَ بِسَلاَمٍ وَتُدْفَنُ بِشَيْبَةٍ صَالِحَةٍ. 16وَفِي الْجِيلِ الرَّابِعِ يَرْجِعُونَ إِلَى هَهُنَا لأَنَّ ذَنْبَ الأَمُورِيِّينَ لَيْسَ إِلَى الْآنَ كَامِلاً». 17ثُمَّ غَابَتِ الشَّمْسُ فَصَارَتِ الْعَتَمَةُ وَإِذَا تَنُّورُ دُخَانٍ وَمِصْبَاحُ نَارٍ يَجُوزُ بَيْنَ تِلْكَ الْقِطَعِ. 18فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقاً قَائِلاً: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هَذِهِ الأَرْضَ مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ نَهْرِ الْفُرَاتِ. 19الْقِينِيِّينَ وَالْقَنِزِّيِّينَ وَالْقَدْمُونِيِّينَ 20وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالرَّفَائِيِّينَ 21وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ».
ع12: ظل إبرام طوال النهار ينتظر ظهور الله حتى غابت الشمس، فنام نومًا عميقًا وشعر فى نومه بخوف عظيم وظلام أى غموض لعدم معرفته ماذا سيقول له الله وكيف سيظهر ويقطع العهد معه. وهذا يظهر مخافة الله التى كانت فى قلبه رغم تمتعه بصداقة ودالة معه.
ع13: تكلم الله مع إبرام وأعلمه بمستقبل نسله أنه سيذهب إلى بلد غريب ويستعبده أهل هذا البلد لمدة 400 سنة. ولم يذكر الله اسم البلد، وهى مصر، حتى لا يخافوا الذهاب إليها.
ع14: يعد الله أن يدين هذه الأمة، أى مصر، التى تستعبد نسل إبراهيم وهذا ما حدث فى الضربات العشر وغرق فرعون وجيشه فى البحر الأحمر، ووعده أيضًا أن نسله سيأخذ أملاك جزيلة وهى الحلى والملابس التى استعاروها من المصريين فأعطوها لهم بكثرة وتركوهم ليخرجوا سريعًا بها ليقف غضب الله عليهم.
ع15: أعلم الله إبراهيم أنه سيموت قبل حلول هذه الضيقات بنسله وأنه سيموت بشيبه صالحة أى فى سلام بعد عمر مبارك وحياة نقية مع الله.
ع16: وعد الله أيضًا أن نسل إبراهيم سيرجعون إلى أرض كنعان فى الجيل الرابع أى بعد أربعة قرون حيث يبيدون سكان أرض كنعان ويمتلكون أراضيهم، والسبب فى تأخير تملك نسل إبرام لأرض كنعان مدة 400 سنة حتى يعطى فرصة للأموريين أن يتوبوا وإن لم يتوبوا يكمل إثمهم ويستنفذون كل فرصهم للتوبة فيبيدهم الله على يد يشوع ومن بعده.
ع17: بعد انتهاء كلام الله مع إبرام عن مستقبل نسله، كانت الشمس قد غابت تمامًا وغطت الظلمة الأرض وحينئذ ظهر عمود النار محاطًا بالدخان ومرَّ وسط الذبائح المشقوقة وكان هذا ظهورًا إلهيًا، لأن إلهنا نار آكلة يرفض كل شر وهو قوى قادر أن يتمم عهده ويسحق كل من يقاوم إبرام. وقد مر الله وحده وسط الذبائح المشقوقة ولم يأخذ معه إبرام لأن الإنسان معرض للخطأ والرجوع عن العهد فقطع الله وحده العهد ليؤكد نفاذه وإتمامه.
ع18: هذا باقى كلام الله لإبرام إذ وعده أن نسله يمتلك الأراضى من نهر الفرات إلى نهر مصر وهو نهر موسمى يمتلئ بمياه الأمطار والسيول ويقع فى سيناء.
ع19: ذكر الله الشعوب التى تسكن الأرض التى سيمتلكها نسل إبراهيم وهم :
- القينيين : كانوا يسكنون فى أرض مديان شرق سيناء.
- القنزيين : معناها الصيادون وهم من القبائل الكنعانية.
- القدمونيين : ومعناهم القدماء.
ع20: 4- الحثيين : بنو حث بن كنعان الذين سكنوا جنوب أرض كنعان.
الفرزيين : أى سكان القرى وسكنوا فى أماكن متفرقة فى أرض كنعان.
الرفائيين : أى الجبابرة الذين سكنوا أولاً شرق الأردن ثم طردوا فسكنوا غرب فلسطين.
ع21: 7- الأموريين : أى الجبليين لسكناهم فى الجبال.
الكنعانيين : نسبة لكنعان بن حام وسكنوا المدن فى كل أرض كنعان.
الجرجاشيين : سكنوا شرق بحر الجليل فى شمال فلسطين.
اليبوسيين : سكنوا فى أورشليم وما حولها.
بركة الله عظيمة لأولاده ولكن إن احتاج الأمر فهو يسمح لهم بضيقات لمدة محدودة من أجل خلاصهم. فاقبل الضيقة بشكر حتى تقربك إلى الله وثق أنه من أجل خضوعك له سيباركك ويعوضك ببركات عظيمة.