إبراهيم فى جرار
(1) أبيمالك يأخذ سارة (ع1-7):
1وَانْتَقَلَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ هُنَاكَ إِلَى أَرْضِ الْجَنُوبِ وَسَكَنَ بَيْنَ قَادِشَ وَشُورَ وَتَغَرَّبَ فِي جَرَارَ. 2وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عَنْ سَارَةَ امْرَأَتِهِ: «هِيَ أُخْتِي». فَأَرْسَلَ أَبِيمَالِكُ مَلِكُ جَرَارَ وَأَخَذَ سَارَةَ. 3فَجَاءَ اللهُ إِلَى أَبِيمَالِكَ فِي حُلْمِ اللَّيْلِ وَقَالَ لَهُ: «هَا أَنْتَ مَيِّتٌ مِنْ أَجْلِ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَخَذْتَهَا فَإِنَّهَا مُتَزَوِّجَةٌ بِبَعْلٍ». 4وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ أَبِيمَالِكُ قَدِ اقْتَرَبَ إِلَيْهَا. فَقَالَ: «يَا سَيِّدُ أَأُمَّةً بَارَّةً تَقْتُلُ؟ 5أَلَمْ يَقُلْ هُوَ لِي إِنَّهَا أُخْتِي وَهِيَ أَيْضاً نَفْسُهَا قَالَتْ هُوَ أَخِي؟ بِسَلاَمَةِ قَلْبِي وَنَقَاوَةِ يَدَيَّ فَعَلْتُ هَذَا». 6فَقَالَ لَهُ اللهُ فِي الْحُلْمِ: «أَنَا أَيْضاً عَلِمْتُ أَنَّكَ بِسَلاَمَةِ قَلْبِكَ فَعَلْتَ هَذَا. وَأَنَا أَيْضاً أَمْسَكْتُكَ عَنْ أَنْ تُخْطِئَ إِلَيَّ لِذَلِكَ لَمْ أَدَعْكَ تَمَسُّهَا. 7فَالْآنَ رُدَّ امْرَأَةَ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ نَبِيٌّ فَيُصَلِّيَ لأَجْلِكَ فَتَحْيَا. وَإِنْ كُنْتَ لَسْتَ تَرُدُّهَا فَاعْلَمْ أَنَّكَ مَوْتاً تَمُوتُ أَنْتَ وَكُلُّ مَنْ لَكَ».
ع1: عاش إبراهيم أكثر من 20 سنة فى بلوطات ممرا غرب نهر الأردن، ثم انتقل إلى جرار التى تقع جنوب فلسطين وتبعد حوالى خمسة أميال من غزة وهى بين قادش وشور اللتين تقعان جنوب فلسطين وسبق الكلام عنهما. ولعل سبب انتقاله كان بحثًا عن المراعى الخصبة لأغنامه أو لحدوث جوع فى المنطقة التى كان يسكن فيها (خريطة 6).
ع2: أبيمالك ومعناه أبى ملك وكان لقبًا لملوك جرار مثل لقب فرعون لملوك مصر.
سقط إبراهيم العظيم فى الإيمان هذه المرة أيضًا فى ضعف إيمان حين خاف على نفسه من أهل جرار وملكها لئلا يأخذوا امرأته سارة لجمالها ويقتلوه، فكرَّر خطية الكذب وقال أنها أخته مستندًا على إنها أخته من أبيه وليست شقيقته. ولكن القصد هنا كان كذبًا كما قلنا ليحمى نفسه من احتمال أن يقتله أهل جرار.
لما علم أبيمالك أن سارة أخت إبراهيم ورأى جمالها، انبهر به رغم أنها قد اقتربت من التسعين عامًا، فأرسل وأخذها إلى قصره لتكون له زوجة، وللأسف لم يتكلم إبراهيم وتركهم يأخذونها لخوفه منهم متناسيًا ظهورات الله ووعده أنها ستلد بعد شهور ابن الموعد إسحق.
? إقبل التجرد فى حياتك بل والضيقات أيضًا فهى تحميك من خطايا كثيرة لا تعرفها وأطلب معونة الله فتكفيك وتسندك، ولا تتحرك فى حياتك إلا بعد الصلاة وطلب إرشاد الله فتحيا مطمئنًا نقيًا.
ع3: ظهر الله فى حلم لأبيمالك ليلاً، ويبدو أنه كان قد ضربه بمرض جعله غير قادر على الإقتراب من سارة ويخشى الموت، وقال له الله أنه سيموت بسبب اغتصابه زوجة إبراهيم.
ع4، 5: أجاب أبيمالك الله أنه لم يقترب إلى سارة، بل فى تذلل ترجاه ألا يهلكه هو وشعبه لأنه لا يعرف أنها متزوجة بل إن إبراهيم قال أنها أخته وقالت هى أنه أخوها، فهو لم يقصد أن يصنع أى شر وبالتالى لا يستحق أن يهلك هو وكل شعبه بسبب خطيته، فقد أخذها ليتزوجها بقلب نقى.
ع6: قبل الله إعتذار أبيمالك بل وقال له لأنى أعرف نقاوة قلبك فى هذا الأمر أمسكتك عن الخطأ فى التزوج بسارة، ولعل ذلك كان بالمرض المفاجئ الذى سمح به الله لأبيمالك فى هذه الليلة، فانشغل بمرضه بل أيضًا أصاب امرأته وجواريه بمرض منعهن من الولادة وقد يكون آلامًا وعجزًا عن الولادة كما يظهر من (ع18).
ع7: يصف الله إبراهيم بأنه نبى أى رجل تقى عظيم مقرب إلى الله حتى يخيف أبيمالك من الإقتراب إلى سارة بل طلب من أبيمالك أن يترجى إبراهيم ليصلى لأجله فيرفع الله عنهم الأمراض، وفى نفس الوقت هدَّد أبيمالك بالموت إن لم يطع، رغم أنه لم يكن قد أخطأ بعد ولكن ليبعده عن الخطأ.
(2) عتاب أبيمالك لإبراهيم (ع8-13):
8فَبَكَّرَ أَبِيمَالِكُ فِي الْغَدِ وَدَعَا جَمِيعَ عَبِيدِهِ وَتَكَلَّمَ بِكُلِّ هَذَا الْكَلاَمِ فِي مَسَامِعِهِمْ. فَخَافَ الرِّجَالُ جِدّاً. 9ثُمَّ دَعَا أَبِيمَالِكُ إِبْرَاهِيمَ وَقَالَ لَهُ: «مَاذَا فَعَلْتَ بِنَا وَبِمَاذَا أَخْطَأْتُ إِلَيْكَ حَتَّى جَلَبْتَ عَلَيَّ وَعَلَى مَمْلَكَتِي خَطِيَّةً عَظِيمَةً؟ أَعْمَالاً لاَ تُعْمَلُ عَمِلْتَ بِي!». 10 وَقَالَ أَبِيمَالِكُ لإِبْرَاهِيمَ: «مَاذَا رَأَيْتَ حَتَّى عَمِلْتَ هَذَا الشَّيْءَ؟» 11فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «إِنِّي قُلْتُ: لَيْسَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ خَوْفُ اللهِ الْبَتَّةَ فَيَقْتُلُونَنِي لأَجْلِ امْرَأَتِي. 12وَبِالْحَقِيقَةِ أَيْضاً هِيَ أُخْتِي ابْنَةُ أَبِي غَيْرَ أَنَّهَا لَيْسَتِ ابْنَةَ أُمِّي فَصَارَتْ لِي زَوْجَةً. 13وَحَدَثَ لَمَّا أَتَاهَنِي اللهُ مِنْ بَيْتِ أَبِي أَنِّي قُلْتُ لَهَا: هَذَا مَعْرُوفُكِ الَّذِي تَصْنَعِينَ إِلَيَّ: فِي كُلِّ مَكَانٍ نَأْتِي إِلَيْهِ قُولِي عَنِّي هُوَ أَخِي».
ع8: خاف أبيمالك من الله الذى ظهر له فى حلم الليل، فعندما استيقظ مبكرًا أسرع ليجمع عبيده المعاونين له فى قيادة الشعب وأخبرهم بما سمعه من الله، وتأكدوا من ذلك بأن جميع النساء المقبلات على الولادة يعانون من عجزهن على الولادة مما زاد خوفهم من الله وتصديقهم لكلام الملك.
ع9، 10: استدعى أبيمالك إبراهيم وعاتبه على كذبه بقوله أن سارة أخته مما عرَّض الملك والمملكة لخطر عظيم وهو التزوج بامرأة متزوجة وإغضاب الله فينتقم منهم، سأله الملك ما الذى دعاه لهذا الفعل العظيم. وقد سمح الله لأبيمالك أن يعاتب ويوبخ إبراهيم رجل الإيمان حتى يتضع ويتوب ولا يظن نفسه أفضل من غيره لأجل إيمانه.
? إقبل صوت الله على لسان كل من حولك حتى لو كان طفلك أو أى شخص يبدو أقل منك، فأنت محتاج أن تتعلم من كل إنسان لتكمل توبتك وجهادك الروحى، وبهذا تنمو روحيًا ولا يستطيع إبليس أن يغلبك.
ع11-13: لم يعتذر إبراهيم عن خطأه بل للأسف قدم تبريرات غير سليمة وهى :
- شعوره أن أهل جرار ليس عندهم مخافة الله، لعله ظنهم مثل أهل سدوم، فيقتلونه لأجل اغتصاب امرأته، وبهذا سقط فى إدانة الآخرين، بل سقط فى اتهام زور لأنهم بالحقيقة عندهم مخافة الله بدليل طاعة أبيمالك وكل المملكة لكلام الله الذى ظهر له فى الحلم.
- أن سارة أخته من أبيه وليست شقيقته، وقد اتفق معها على أن تخفى أنها زوجته فى أى مكان غريب يذهبان إليه حتى لا يسئ إليه أحد، والحقيقة أن هذا كذب إذ فيه إخفاء لزواجه منها وتعريضها لاضطجاع رجل غريب معها، فتخطئ وتجعل الذى يضطجع معها يخطئ … وهذا إتفاق شرير على خطية وليس معروفًا، فالغاية السليمة لا تبرر الوسيلة الخاطئة.
(3) أبيمالك يكرم إبراهيم (ع14-18):
14فَأَخَذَ أَبِيمَالِكُ غَنَماً وَبَقَراً وَعَبِيداً وَإِمَاءً وَأَعْطَاهَا لإِبْرَاهِيمَ وَرَدَّ إِلَيْهِ سَارَةَ امْرَأَتَهُ. 15وَقَالَ أَبِيمَالِكُ: «هُوَذَا أَرْضِي قُدَّامَكَ. اسْكُنْ فِي مَا حَسُنَ فِي عَيْنَيْكَ». 16وَقَالَ لِسَارَةَ: «إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُ أَخَاكِ أَلْفاً مِنَ الْفِضَّةِ. هَا هُوَ لَكِ غِطَاءُ عَيْنٍ مِنْ جِهَةِ كُلِّ مَا عِنْدَكِ وَعِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ فَأُنْصِفْتِ». 17فَصَلَّى إِبْرَاهِيمُ إِلَى اللهِ فَشَفَى اللهُ أَبِيمَالِكَ وَامْرَأَتَهُ وَجَوَارِيَهُ فَوَلَدْنَ – 18لأَنَّ الرَّبَّ كَانَ قَدْ أَغْلَقَ كُلَّ رَحِمٍ لِبَيْتِ أَبِيمَالِكَ بِسَبَبِ سَارَةَ امْرَأَةِ إِبْرَاهِيمَ.
ع14، 15: مخافة الله فى قلب أبيمالك، فجعلته ليس فقط يمتنع عن أن يمس سارة ولكن ظهرت أيضًا فى معاملته لإبراهيم، ويظهر هذا فيما يلى :
- عاتبه عن عدم إعلان أن سارة زوجته كما سبق، فهو يريد أن يحيا طاهرًا لا يغتصب امرأة أحد.
- أعاد له سارة امرأته.
- أكرمه بمنحه هدايا من الغنم والبقر.
- أعطاه أيضًا عبيدًا وإماءً.
- رحب به ليسكن بأرض مملكته فى أى مكان يريده.
ع16: ألفًا من الفضة : أى ألف شاقل والشاقل يساوى 15 جم تقريبًا.
غطاء عين : تكريم ورد شرف.
أنصفت : لم يضرك شئ بل أخذت تعويضًا واعتذارًا كافيًا.
- أعطى إبراهيم أيضًا ألفًا من الفضة وهى هدية قيمة فى هذا الوقت بالقياس بما عند سارة أو عند أى إنسان من المحيطين بهم كاعتذار ورد شرف أنها كانت معرضة أن تكون زوجة أو دعيت اسميًا زوجة لأبيمالك لفترة قليلة حتى أظهر الله له أنها زوجة إبراهيم.
ويلاحظ كرم أبيمالك الشديد وسخائه وكذلك رقة مشاعره فى اعتذاره لإبراهيم وتقديمه هذه العطايا له بعد أن علم أن سارة زوجته وليس كمهر كما فى حالة فرعون.
? كن كريمًا فى تعاملاتك مع الآخرين مادمت قادرًا على ذلك فإن سخاءك يظهر محبتك وخاصة لو كنت قد أسأت لغيرك أو شعر غيرك بالضيق لأى سبب، فهداياك واهتمامك يفرح قلبه ويعيد إليه سلامه.
ع17، 18: أغلق كل رحم : جعل الحبالى اللاتى أقبلن على الولادة عاجزات عن ذلك رغم آلامهن، أو سقوط الأجنة من رحم أمهاتهن الحبالى فلا تكمل مدتها فى بطونهن أى أغلق الرحم عن استكمال عمله لإنضاج الأجنة.
بعد هذا الحب والكرم الواضح من أبيمالك ستر الله على إبراهيم وأظهره أنه نبى ورجل بركة فجعله يصلى لأجل شفاء امرأة وجوارى أبيمالك، فشفاهن الله واستعدن قدرتهن على الحبل والولادة.