ذبـح إسـحق
(1) إمتحان الله لإبراهيم (ع1-2):
1وَحَدَثَ بَعْدَ هَذِهِ الأُمُورِ أَنَّ اللهَ امْتَحَنَ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لَهُ: «يَا إِبْرَاهِيمُ». فَقَالَ: «هَئَنَذَا». 2فَقَالَ: «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ الَّذِي تُحِبُّهُ إِسْحَاقَ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ».
ع1: بعد أن ظهر الله لإبراهيم مرات كثيرة وأكد وعوده له بالبركة، وبعد أن أعطاه إسحق ابن الموعد وبارك فى أملاكه وقوته حينما انتصر على كدرلعومر فصارت بينه وبين الله صداقة قوية، ظهر له هذه المرة ليمتحنه حتى يظهر فضائله وينميه فى المحبة. وهذا بالطبع مختلف عن التجارب التى يدبرها الشيطان ليسقطنا فى الخطية.
ع2: ابنك وحيدك : صار إسحق الابن الوحيد لإبراهيم بعد صرف إسماعيل، وكان شابًا يتوقع الآباء ألا يقل عمره عن 25 عامًا والبعض يقول أنه قد تجاوز الثلاثين.
الذى تحبه : لأنه ابن شيخوخته وفيه تتم كل المواعيد الإلهية بالبركة.
أرض المريا : معناها المعلم أو الرؤيا أو الرب يهيئ، لأن هناك علم الله إبراهيم المحبة الباذلة ورأى الله وتكلم معه وأعد الله له فداءً لابنه، ويقال أنها تقع شرق أورشليم حيث بيدر أرون اليبوسى الذى بنى فيه داود مذبحًا وأوقف الله الوبأ (2صم24: 24) وهناك أيضًا بنى سليمان الهيكل. وهناك رأى آخر أنها تقع شمال أورشليم حيث جبل جرزيم ويقال أن الجلجثة كانت فى أرض المريا.
طلب الله من إبراهيم طلبًا صعبًا للغاية وهو أن يقدم إسحق ابنه وحيده المحبوب جدًا له، ذبيحة لله، ويذهب إلى أرض المريا وهناك سيرشده إلى جبل يصعد عليه ويقدم إسحق ذبيحة هناك.
? إن بدت الوصية صعبة عليك فلا تضطرب لأن الله سيعطيك معونة لإتمامها، وفى تنفيذك لها تظهر محبتك لله وينمو إيمانك وتنال بركات لا تحصى.
(2) الطريق إلى تقديم الذبيحة (ع3-8):
3فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحاً وَشَدَّ عَلَى حِمَارِهِ وَأَخَذَ اثْنَيْنِ مِنْ غِلْمَانِهِ مَعَهُ وَإِسْحَاقَ ابْنَهُ وَشَقَّقَ حَطَباً لِمُحْرَقَةٍ وَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ. 4وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَأَبْصَرَ الْمَوْضِعَ مِنْ بَعِيدٍ 5فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِغُلاَمَيْهِ: «اجْلِسَا أَنْتُمَا هَهُنَا مَعَ الْحِمَارِ وَأَمَّا أَنَا وَالْغُلاَمُ فَنَذْهَبُ إِلَى هُنَاكَ وَنَسْجُدُ ثُمَّ نَرْجِعُ إِلَيْكُمَا». 6فَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ حَطَبَ الْمُحْرَقَةِ وَوَضَعَهُ عَلَى إِسْحَاقَ ابْنِهِ وَأَخَذَ بِيَدِهِ النَّارَ وَالسِّكِّينَ. فَذَهَبَا كِلاَهُمَا مَعاً. 7وَقَالَ إِسْحَاقُ لإِبْرَاهِيمَ أَبِيهِ: «يَا أَبِي». فَقَالَ: «هَئَنَذَا يَا ابْنِي». فَقَالَ: «هُوَذَا النَّارُ وَالْحَطَبُ وَلَكِنْ أَيْنَ الْخَرُوفُ لِلْمُحْرَقَةِ؟» 8فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «اللهُ يَرَى لَهُ الْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ يَا ابْنِي». فَذَهَبَا كِلاَهُمَا مَعاً.
ع3: شقق حطبًا : أى أعده ليحترق بسرعة ورتبه كعيدان تصلح للحريق.
ظهر الله لإبراهيم فى بئر سبع ليلاً، فقام إبراهيم باكرًا وأعد الحطب الذى سيشعله ليحرق المحرقة، أى ابنه الذى سيذبحه، وهنا تظهر طاعته الفورية لله. ولم يخبر سارة حتى لا تعطله بعواطف أمومتها عن تنفيذ أمر الله. وأخذ معه غلامين من عبيده لحمل الماء والطعام للطريق وركب حمارًا وسار فى الطريق نحو أرض المريّا أى نحو أورشليم ومعه إسحق ابنه.
ع4، 5: سار إبراهيم مع إسحق من بئر سبع حتى أورشليم مدة ثلاثة أيام ولما وصل إلى أرض المريا أرشده الله إلى الجبل الذى سيصعد إسحق ذبيحة عليه، فقال لغلاميه أى عبيده الشباب اللذين جاءا معه، أن يجلسا عند سفح الجبل مع الحمار حتى يصعد الجبل هو وابنه إسحق ليقدم ذبيحة ثم يرجعا إليهما. وهذا يثبت إيمان إبراهيم بقدرة الله على إقامة ابنه بعدما يذبحه حتى أنه سيعود معه ويقابل الغلامين.
ع6: حمل إسحق الشاب الذى تجاوز الخامسة والعشرين من عمره حطب المحرقة، كما حمل المسيح صليبه، أما إبراهيم فأمسك بالنار والسكين وسارا كلاهما معًا صاعدين على الجبل.
ع7، 8: تعجب إسحق وهو سائر مع أبيه إبراهيم لتقديم محرقة لله دون أن يكون معهما حيوان ليذبحاه، فسأل أباه عن الحيوان الذى سيذبحانه. وكان هذا سؤالاً موجعًا جدًا لقلب إبراهيم الأب الحنون ولكن إيمانه بالله واتكاله عليه جعله يتماسك ويجيب ابنه بكلمات مطمئنة أن الله الذى أمرنا بتقديم ذبيحة له هو سيعد لنا الذبيحة التى سنقدمها، فصمت إسحق وسار مع أبيه.
? إن كانت بعض أسئلة المحيطين بك تجرح مشاعرك أو تثير عواطفك فلا تتشكك فى إيمانك بوصايا الله واحتمل الآلام لأجل اسمه فتنال بركات الله العظيمة.
(3) تقديم الذبيحة (ع9-14):
9فَلَمَّا أَتَيَا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ بَنَى هُنَاكَ إِبْرَاهِيمُ الْمَذْبَحَ وَرَتَّبَ الْحَطَبَ وَرَبَطَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْحَطَبِ. 10ثُمَّ مَدَّ إِبْرَاهِيمُ يَدَهُ وَأَخَذَ السِّكِّينَ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ. 11فَنَادَاهُ مَلاَكُ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ: «إِبْرَاهِيمُ إِبْرَاهِيمُ». فَقَالَ: «هَئَنَذَا» 12فَقَالَ: «لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الْغُلاَمِ وَلاَ تَفْعَلْ بِهِ شَيْئاً لأَنِّي الْآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ خَائِفٌ اللهَ فَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي». 13فَرَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا كَبْشٌ وَرَاءَهُ مُمْسَكاً فِي الْغَابَةِ بِقَرْنَيْهِ فَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ وَأَخَذَ الْكَبْشَ وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضاً عَنِ ابْنِهِ. 14فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ اسْمَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ «يَهْوَهْ يِرْأَهْ». حَتَّى إِنَّهُ يُقَالُ الْيَوْمَ: «فِي جَبَلِ الرَّبِّ يُرَى».
ع9، 10: أخبر إبراهيم ابنه إسحق أنه سيكون الذبيحة المقدمة لله كما أمر، وخضع إسحق وأطاع رغم أنه شاب قادر على مقاومة شيخ عجوز مثل أبيه إبراهيم، فهو بهذا يرمز للمسيح الذى أخلى نفسه وأطاع حتى الموت بإرادته. فبنى إبراهيم مذبحًا بمساعدة إسحق ابنه ورتب الحطب فوقه وربط إسحق ووضعه على الحطب.. وكم كان هذا مؤلمًا لقلب الأب والشيخ إبراهيم ولكن من أجل الله أطاع ورفع السكين ليذبح إسحق.
? ثق أن الله يطلب خيرك ولا يمكن أن يضرك، فأطع وصاياه مهما بدت ثقيلة وهو سيسندك لتتممها، وبهذا تظهر حبك له وتختبره وتتمتع براحة وفرح يفوق كل عقل. إذبح مشيئتك لتتمتع بمشيئة الله.
ع11، 12: فى اللحظة الحاسمة، قبل أن تقترب السكين من إسحق، ظهر ملاك الله ونادى إبراهيم ومنعه من أن يقترب بالسكين من إسحق ومدحه بأنه يخاف الله ويحبه لدرجة أن يقدم له أعز شئ عنده وهو ابنه الوحيد الذى سينال فيه المواعيد. وعندما يقول عن الله “الآن علمت” لا يقصد أنه كان لا يعلم قبلاً ولكنه يعبر بطريقة نفهمها كبشر معلنًا بر إبراهيم أمام كل الأجيال، فهو يقصد الآن ظهر بر إبراهيم.
ع13: وجَّه الله نظر إبراهيم خلفه فوجد كبشًا مربوطًا بقرنيه فى إحدى الأشجار قد أعده الله وأمره أن يقدمه ذبيحة عوضًا عن إسحق، فذبحه إبراهيم ورفعه محرقة أمام الله. وبهذا يرمز إسحق للمسيح الفادى فيما يلى :
- حمل إسحق المحرقة كما حمل المسيح الصليب فى الطريق إلى الجلجثة.
- رُبِطَ إسحق ووضع على الحطب كما ربط المسيح وعلق على الصليب.
- إرتفعت السكين لتذبح إسحق كما مات المسيح وذبح على الصليب.
- عاد إسحق حيًا بعد تقديم الكبش عوضًا عنه كما قام المسيح فى اليوم الثالث.
- تقديم إسحق أظهر محبة إبراهيم وتضحيته العظيمة وخضوع إسحق ومحبته لله، كما أظهر الصليب محبة الآب وخضوع الابن.
- كان إسحق يخرج الى الحقل فى المساء ليختلى (ص 24 : 63) والمسيح كان يختلى للصلاة.
ع14: فرح إبراهيم بنجاة ابنه إسحق من الموت وبرؤيته لله واختباره لأبوته وحنانه فدعا اسم هذا المكان يهوة يرأه، أى أنه رأى الله فى هذا المكان وصار هذا التعبير مثلاً يقال فى كل الأجيال التالية عن كل إنسان يتكل على الله ويطيع كلامه فيقال عنه أنه رأى الله واختبره.
(4) تجديد العهد (ع15-19):
15وَنَادَى مَلاَكُ الرَّبِّ إِبْرَاهِيمَ ثَانِيَةً مِنَ السَّمَاءِ 16وَقَالَ: «بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ الرَّبُّ أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا الأَمْرَ وَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ 17أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيراً كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ 18وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي». 19ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى غُلاَمَيْهِ فَقَامُوا وَذَهَبُوا مَعاً إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ. وَسَكَنَ إِبْرَاهِيمُ فِي بِئْرِ سَبْعٍ.
ع15، 16: بعدما منع الله إبراهيم من ذبح ابنه وأعطاه الكبش عوضًا عنه، ناداه ثانية من السماء عن طريق ملاكه مجددًا العهد معه بشكل واضح من أجل محبته الفائقة بقبوله تقديم إسحق ذبيحة لله.
ع17، 18: جدَّد الله عهده لإبراهيم ووعده بما يلى :
- يعطيه بركة عظيمة فى حياته الروحية والمادية.
- يكثر نسله جدًا رغم أنه ليس له الآن إلا ابن واحد.
- يعطى قوة لنسله فيغلبوا أعداءهم. والمقصود بالباب أى مدخل المدينة، فكل مدينة لها باب ومن يقتحمه يستطيع أن يتسلط عليها. وقد حدث هذا فى انتصار بنى إسرائيل على الشعوب التى كانت تسكن أرض كنعان على يد يشوع ثم ظهرت بالأكثر فى تغلب المسيح على الشيطان وتقييده بالصليب.
- نسل إبراهيم أى المسيح، إذ لم يقل أنسال، يكون فيه خلاص البشرية التى تؤمن به.
ع19: نزل إبراهيم من على الجبل هو وإسحق ووجد الغلامين عبيده ينتظرونه، فعاد راكبًا حماره إلى بئر سبع التى كان يقيم بها على مسافة ثلاثة أيام والتى ترمز لقيامة المسيح بعد ثلاثة أيام. وترمز أيضًا بئر سبع إلى المعمودية التى هى مدخل الأسرار وينالها المؤمن من دم المسيح الذبيح على الصليب كما قدمت الذبيحة على الجبل.
? بركات الله وفيرة جدًا لك إن تجاوبت مع حبه فهو غنى وفى نفس الوقت أب حنون يريد أن يعطيك كثيرًا .. فقط إتكل عليه ولا تنزعج من ظروف العالم المضطرب وتمسك بوصاياه فيعطيك بركة وقوة تدوم معك إلى الأبد.
(5) أولاد ناحور (ع20-24):
20وَحَدَثَ بَعْدَ هَذِهِ الأُمُورِ أَنَّهُ قِيلَ لإِبْرَاهِيمَ: «هُوَذَا مِلْكَةُ قَدْ وَلَدَتْ هِيَ أَيْضاً بَنِينَ لِنَاحُورَ أَخِيكَ: 21عُوصاً بِكْرَهُ وَبُوزاً أَخَاهُ وَقَمُوئِيلَ أَبَا أَرَامَ 22وَكَاسَدَ وَحَزْواً وَفِلْدَاشَ وَيِدْلاَفَ وَبَتُوئِيلَ». 23وَوَلَدَ بَتُوئِيلُ رِفْقَةَ. هَؤُلاَءِ الثَّمَانِيَةُ وَلَدَتْهُمْ مِلْكَةُ لِنَاحُورَ أَخِي إِبْرَاهِيمَ. 24وَأَمَّا سُرِّيَّتُهُ وَاسْمُهَا رَؤُومَةُ فَوَلَدَتْ هِيَ أَيْضاً طَابَحَ وَجَاحَمَ وَتَاحَشَ وَمَعْكَةَ.
عرف إبراهيم، لعل ذلك عن طريق التجار، أن أخاه ناحور الذى يقيم فى حاران التى بين النهرين فى العراق قد أنجب 12 ابنًا ثمانية من زوجته وأربعة من سريته أى جاريته التى تزوجها. وقد ذكر الوحى هذا ليعرفنا بزوجة إسحق ابن الموعد ونسبها، فبتوئيل هو ابن ناحور ومعنى اسمه رجل الله وقد أنجب رفقة ومعنى إسمها متصالحة وهى التى صارت زوجة لإسحق. ويظهر هنا إهتمام الله بأولاده الذين سيعيشون فى الإيمان معه.
? إن قيمتك غالية جدًا فى نظر الله لأنك ابنه وتحيا معه وهو يهتم بكل ما يتصل بك، فاطمئن فى كل خطواتك بل وتمتع فى كل لحظة فى حياتك مع الله لأنه يحبك ودليل حبه الواضح موته على الصليب لأجلك.