يوسـف يعلـن نفسـه
(1) تعريف يوسف إخوته بنفسه (ع1-15):
1فَلَمْ يَسْتَطِعْ يُوسُفُ أَنْ يَضْبِطَ نَفْسَهُ لَدَى جَمِيعِ الْوَاقِفِينَ عِنْدَهُ فَصَرَخَ: «أَخْرِجُوا كُلَّ إِنْسَانٍ عَنِّي!» فَلَمْ يَقِفْ أَحَدٌ عِنْدَهُ حِينَ عَرَّفَ يُوسُفُ إِخْوَتَهُ بِنَفْسِهِ. 2فَأَطْلَقَ صَوْتَهُ بِالْبُكَاءِ. فَسَمِعَ الْمِصْرِيُّونَ وَسَمِعَ بَيْتُ فِرْعَوْنَ. 3وَقَالَ يُوسُفُ لإِخْوَتِهِ: «أَنَا يُوسُفُ. أَحَيٌّ أَبِي بَعْدُ؟» فَلَمْ يَسْتَطِعْ إِخْوَتُهُ أَنْ يُجِيبُوهُ لأَنَّهُمُ ارْتَاعُوا مِنْهُ. 4فَقَالَ يُوسُفُ لإِخْوَتِهِ: «تَقَدَّمُوا إِلَيَّ». فَتَقَدَّمُوا. فَقَالَ: «أَنَا يُوسُفُ أَخُوكُمُ الَّذِي بِعْتُمُوهُ إِلَى مِصْرَ. 5وَالْآنَ لاَ تَتَأَسَّفُوا وَلاَ تَغْتَاظُوا لأَنَّكُمْ بِعْتُمُونِي إِلَى هُنَا لأَنَّهُ لِاسْتِبْقَاءِ حَيَاةٍ أَرْسَلَنِيَ اللهُ قُدَّامَكُمْ. 6لأَنَّ لِلْجُوعِ فِي الأَرْضِ الْآنَ سَنَتَيْنِ. وَخَمْسُ سِنِينَ أَيْضاً لاَ تَكُونُ فِيهَا فَلاَحَةٌ وَلاَ حَصَادٌ. 7فَقَدْ أَرْسَلَنِي اللهُ قُدَّامَكُمْ لِيَجْعَلَ لَكُمْ بَقِيَّةً فِي الأَرْضِ وَلِيَسْتَبْقِيَ لَكُمْ نَجَاةً عَظِيمَةً. 8فَالْآنَ لَيْسَ أَنْتُمْ أَرْسَلْتُمُونِي إِلَى هُنَا بَلِ اللهُ. وَهُوَ قَدْ جَعَلَنِي أَباً لِفِرْعَوْنَ وَسَيِّداً لِكُلِّ بَيْتِهِ وَمُتَسَلِّطاً عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ. 9أَسْرِعُوا وَاصْعَدُوا إِلَى أَبِي وَقُولُوا لَهُ: هَكَذَا يَقُولُ ابْنُكَ يُوسُفُ: قَدْ جَعَلَنِيَ اللهُ سَيِّداً لِكُلِّ مِصْرَ. انْزِلْ إِلَيَّ. لاَ تَقِفْ. 10فَتَسْكُنَ فِي أَرْضِ جَاسَانَ وَتَكُونَ قَرِيباً مِنِّي أَنْتَ وَبَنُوكَ وَبَنُو بَنِيكَ وَغَنَمُكَ وَبَقَرُكَ وَكُلُّ مَا لَكَ. 11وَأَعُولُكَ هُنَاكَ لأَنَّهُ يَكُونُ أَيْضاً خَمْسُ سِنِينَ جُوعاً. لِئَلَّا تَفْتَقِرَ أَنْتَ وَبَيْتُكَ وَكُلُّ مَا لَكَ. 12وَهُوَذَا عُِيُونُكُمْ تَرَى وَعَيْنَا أَخِي بَنْيَامِينَ أَنَّ فَمِي هُوَ الَّذِي يُكَلِّمُكُمْ. 13وَتُخْبِرُونَ أَبِي بِكُلِّ مَجْدِي فِي مِصْرَ وَبِكُلِّ مَا رَأَيْتُمْ وَتَسْتَعْجِلُونَ وَتَنْزِلُونَ بِأَبِي إِلَى هُنَا». 14ثُمَّ وَقَعَ عَلَى عُنُقِ بِنْيَامِينَ أَخِيهِ وَبَكَى. وَبَكَى بِنْيَامِينُ عَلَى عُنُقِهِ. 15وَقَبَّلَ جَمِيعَ إِخْوَتِهِ وَبَكَى عَلَيْهِمْ. وَبَعْدَ ذَلِكَ تَكَلَّمَ إِخْوَتُهُ مَعَهُ.
ع1-3: بعد مشاعر الحب التى أظهرها يهوذا فى استعداده لفداء أخيه بنيامين، أى يصير عبدًا بدلاً منه، لأن يعقوب لن يحتمل فراق ابنه الصغير، إزدادت مشاعر يوسف اشتعالاً داخله ولم يحتمل أن يخفى نفسه أكثر من هذا .. فصرخ فى كل المصريين الواقفين أمامه ليخرجوا ويتركوه وحده مع هؤلاء الرجال، ثم بدأ يبكى بصوت عالٍ حتى سمعه المصريون الواقفون خارج الأبواب. ثم تكلم بالعبرانية وقال لإخوته “أنا يوسف أخوكم” وسأل عن أبيه الذى تعلقت نفسه به، فارتاع إخوته خوفًا من هول المفاجأة ولم يردوا جوابًا بل وتراجعوا إلى الوراء من رعبهم.
ع4-7: طلب يوسف من إخوته والدموع تسيل من عينيه أن يقتربوا إليه ولا يخافوا منه أو ينزعجوا من أجل خطيتهم الأولى ببيعه عبدًا إلى مصر لأن الله هو الذى سمح بهذا حتى يخزن القمح ولا يفنون بالمجاعة بل يطعمهم فيحيوا. لأن الجوع قد انقضى منه سنتان وتبقى خمس سنوات أخرى.
? شعر يوسف أن هدف إرساليته لمصر هو المحافظة على حياة أسرته وليس وصوله إلى مركز عظيم. فكِّر دائمًا أن أحداث الحياة التى تمر بك هى تدبير إلهى لخلاص نفسك أنت ومن حولك الذين تخدمهم حتى تقود الكل لمعرفة الله. لا تفكر فى الماديات فهى زائلة ولا أيضًا فى ذاتك وكرامتك بل إفهم مشيئة الله وهى خلاص النفوس.
ع8-11: أبًا لفرعون : أى مسئولاً عن تدبير كل شئون المملكة ورعاية أمور فرعون نفسه.
أرض جاسان : تقع شرق الدلتا فى محافظة الشرقية الحالية وكانت أرض خصبة بجوار الصحراء وتصلح للرعى.
قال يوسف لإخوته أن يخبروا أباه بمركزه العظيم فى مصر وأنه متسلط على كل شئونها وتدبير قصر فرعون وكل أموره، وطلبه أن يسرع أبوه بالحضور هو وكل الأسرة ليسكنهم فى أرض جاسان ويعطيهم طعامًا ويهتم بكل شئونهم، لأن الجوع سيستمر خمس سنوات أخرى وحتى يتمتع يوسف بالوجود قريبًا من أبيه.
ع12، 13: قال لهم أنتم تروننى وتسمعون صوتى، أى تلمسون الواقع العظيم الذى أحيا فيه، فاخبروا أبى بكل ما رأيتموه وأحضروه بسرعة.
ع14، 15: إحتضن يوسف أخاه بنيامين وبكى الإثنان، لأنه شقيقه، ثم قبَّل باقى إخوته إعلانًا عن صفحه وغفرانه لكل ما فعلوه به فاطمأنوا وحينئذ بدأوا يتكلمون باتضاع وحب وفرح به.
ويظهر هنا حب يوسف لأبيه وإخوته، إذ لم تنسِه العظمة والمجد أن يهتم بهم بل شعر أن هدف كل هذا المجد هو إسعاد أسرته.
(2) فرعون يدعو أسرة يوسف لمصر (ع16-24):
16وَسُمِعَ الْخَبَرُ فِي بَيْتِ فِرْعَوْنَ وَقِيلَ: «جَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ». فَحَسُنَ فِي عَيْنَيْ فِرْعَوْنَ وَفِي عُيُونِ عَبِيدِهِ. 17فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيُوسُفَ: «قُلْ لإِخْوَتِكَ: افْعَلُوا هَذَا. حَمِّلُوا دَوَابَّكُمْ وَانْطَلِقُوا اذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. 18وَخُذُوا أَبَاكُمْ وَبُيُوتَكُمْ وَتَعَالُوا إِلَيَّ. فَأُعْطِيَكُمْ خَيْرَاتِ أَرْضِ مِصْرَ وَتَأْكُلُوا دَسَمَ الأَرْضِ. 19فَأَنْتَ قَدْ أُمِرْتَ. افْعَلُوا هَذَا. خُذُوا لَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ عَجَلاَتٍ لأَوْلاَدِكُمْ وَنِسَائِكُمْ وَاحْمِلُوا أَبَاكُمْ وَتَعَالُوا. 20وَلاَ تَحْزَنْ عُيُونُكُمْ عَلَى أَثَاثِكُمْ لأَنَّ خَيْرَاتِ جَمِيعِ أَرْضِ مِصْرَ لَكُمْ». 21فَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ هَكَذَا. وَأَعْطَاهُمْ يُوسُفُ عَجَلاَتٍ بِحَسَبِ أَمْرِ فِرْعَوْنَ. وَأَعْطَاهُمْ زَاداً لِلطَّرِيقِ. 22وَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حُلَلَ ثِيَابٍ. وَأَمَّا بِنْيَامِينُ فَأَعْطَاهُ ثَلاَثَ مِئَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَخَمْسَ حُلَلِ ثِيَابٍ. 23وَأَرْسَلَ لأَبِيهِ عَشَرَةَ حَمِيرٍ حَامِلَةً مِنْ خَيْرَاتِ مِصْرَ وَعَشَرَ أُتُنٍ حَامِلَةً حِنْطَةً وَخُبْزاً وَطَعَاماً لأَبِيهِ لأَجْلِ الطَّرِيقِ. 24ثُمَّ صَرَفَ إِخْوَتَهُ فَانْطَلَقُوا وَقَالَ لَهُمْ: «لاَ تَتَغَاضَبُوا فِي الطَّرِيقِ».
ع16-20: أخبر المصريون العاملون مع يوسف فرعون بمجئ إخوة يوسف إليه وبأن أباه وباقى أسرته مازالوا يسكنون فى كنعان، ففرح بهذه الأخبار ورحب بهم فى مصر بل وأمر يوسف أن يحضر كل أسرته ليسكنوا فى مصر ويرسل لهم مركبات كانت تجرها الثيران ليركبوا فيها ويحضروا سريعًا، ولا يتضايقوا من أجل أرض كنعان التى يتركونها مع أى ممتلكات لهم هناك لأنه سيعوضهم عنها بكل خيرات مصر الوفيرة. ومع أن يوسف هو المتسلط والآمر فى كل مصر ولكن فرعون قد رفع عنه الحرج فى الإهتمام بأسرته وأكد له ترحيبه بها، فهم ليسوا أجانب لأنهم عائلته.
? إن كنت ترضى الله، فسيعطيك نعمة فى أعين من حولك فيهتمون بك وبكل ما يتصل أو يرتبط بك، وتزداد خيراته لك روحيًا وماديًا ويعوّضك عن كل خسارة.
ع21-23: ثلثمائة فضة : أى ثلثمائة شاقل فضة والشاقل حوالى 15جم.
أتن : أنثى الحمار.
نفَّذ يوسف أوامر فرعون واستعد إخوته للذهاب إلى كنعان لإحضار أبيهم، وأعطاهم يوسف هدايا هى :
- حلل لكل إخوته وهى دليل على الإكرام.
- أكرم بنيامين أكثر منهم، لأنه شقيقه، فأعطاه خمس حلل وثلثمائة من الفضة.
- أرسل لأبيه هدية وهى عشرة حمير محملة من خيرات مصر وعشرة أتن تحمل قمحًا وخبزًا وأطعمة مختلفة.
ع24: أوصاهم يوسف قبل أن ينصرفوا ألا يتشاجروا فى الطريق، فيتهم كل واحد الآخر أنه السبب فى الإساءة إليه عندما كان معهم فى كنعان، ولكن يفرحوا بنعمة الله ويشكروه.
? إبتعد عن الجدال الذى يولد الغضب وليكن كلامك دائمًا للبنيان وإن لم تجد كلامًا مفيدًا فاصمت واستمع وصلى ليرشدك الله إلى الكلام البنّاء، ولا تعتمد على عقلك فقط فتسقط فى الكبرياء والشجار والخصام.
(3) يعقوب يسمع أخبار يوسف (ع25-28):
25فَصَعِدُوا مِنْ مِصْرَ وَجَاءُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ إِلَى يَعْقُوبَ أَبِيهِمْ 26وَأَخْبَرُوهُ قَائِلِينَ: «يُوسُفُ حَيٌّ بَعْدُ وَهُوَ مُتَسَلِّطٌ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ!» فَجَمَدَ قَلْبُهُ لأَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ. 27ثُمَّ كَلَّمُوهُ بِكُلِّ كَلاَمِ يُوسُفَ الَّذِي كَلَّمَهُمْ بِهِ وَأَبْصَرَ الْعَجَلاَتِ الَّتِي أَرْسَلَهَا يُوسُفُ لِتَحْمِلَهُ. فَعَاشَتْ رُوحُ يَعْقُوبَ أَبِيهِمْ. 28فَقَالَ إِسْرَائِيلُ: «كَفَى! يُوسُفُ ابْنِي حَيٌّ بَعْدُ. أَذْهَبُ وَأَرَاهُ قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ».
ع25، 26: وصل إخوة يوسف إلى كنعان وأخبروا أباهم أن يوسف حى، فلم يحتمل الشيخ هذه المفاجأة وكاد قلبه يقف عن النبض فرحًا بهذا الخبر الذى لا يتوقعه أبدًا.
ع27: أخبروا أباهم بكل ما رأوه فى مصر وبكل ما حدث، ففرح جدًا وانتعشت روحه وامتلأ فرحًا خاصة بعدما رأى المركبات والهدايا التى أرسلها يوسف إليه والتى أكدت له الأخبار التى يرونها.
ع28: عبّر يعقوب عن فرحته وأشواقه وأن هذا هو أعظم خبر سمعه، فطلب أن يسرعوا به إلى مصر ليرى ابنه الحبيب ولو مات بعد هذا فقد امتلأ قلبه فرحًا ويكفيه رؤية ابنه.
? لا تيأس من كثرة الضيقات وتأخر الله فى الاستجابة لصلواتك فهو قادر على كل شئ ويمكن أن يغيّر كل الأحوال فيسمعك أخبارًا لا تتوقعها ويملأ قلبك فرحًا.