التجسد الإلهي حدث سماوي ارضي تم في ملء الزمان بين الله والإنسان, فالسيد المسيح لم يأت ليحدثنا عن الله بل لكي يعلن الله في شخصه المبارك. لقد أتي بنفسه ليخاطبنا من ضعف انسانيتنا لأنه يأنف التحدث من علو, ويدرك ان الحوار وحده هو طريق المكاشفة.
كان كل قصد التجسد هو ان نعرف اننا نحن البشر محبوبون جدا لدي الله. فالإنسان كائن جائع جدا للحب, والله هو المصدر الوحيد للحب, والقادر أن يشبع الإنسان, حتي ان احد القديسين وهو الشيخ الروحاني يناجي الحب قائلا أيها الحب الإلهي رفعت النفس حتي أجلستها في نور خالقها, وطهرتها حتي تشبهت بسيدها. هذا التلاقي والتواصل بين المحبة النازلة من الله نحو الانسان, والمحبة المشتاقة من الإنسان نحو الله, جعلت من التجسد حدثا فريدا فيه امكانية أن يأتي الله ويسكن قلب الإنسان, في وضعية فريدة وامتياز غير معروف في تاريخ البشر قاطبة.
لأن الخالق عندما خلق الإنسان أعلن حبه وعندما تجسد أكد حبه وعندما صلب وقام تمم حبه هذا هو الله العظيم الذي يتنازل في مقابل كبرياء الإنسان كما يقول الكتاب المقدس….. عظيم هو سر التقوي الله ظهر في الجسد…( تيموثاوس الأولي16:3). ومعني ذلك ان لغة الفعل اقوي من لغة الكلام… واختار الله في تجسده لغة المحبة العملية فكان فعل التجسد, لقد تكلم مع الإنسان ليس باللسان والكلمات بل بالعمل والحق. ومكتوب هكذا أحب الله الإنسان حتي بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به, بل ومكتوب هكذا تكون له الحياة الأبدية( يوحنا16:3). ويجيب القديس يعقوب السروجي عن سؤال: كيف ان الله العظيم يتنازل الي حيث الإنسان الحقير ؟ فيقول انظروا ما أعظم محبة الرب وابكوا علي شقاوة العبد,كيف يتحد اللاهوت الفائق بالناسوت المحدود ؟ اعلم ان الفائق يشرف الوضيع, والعظيم اذا لمس الحقير كرمه. وحدث الميلاد المجيد تم في وقت كان فيه انفصال افقي بين البشر إلي يهود وإلي امم وثنية, وانفصال رأسي بين السماء والأرض. ولذا فهذا الحدث جمع ووحد هذه كلها فيه:-
الأولي: الرعاة الساهرون وكانوا يهودا بسطاء وأمناء في سهرهم ورعاية قطعانهم, وهم اول من نالوا شرف الإعلان بميلاد المسيح حيث وقف بهم ملاك الرب ليلا وأضاء حولهم وبشرهم بالفرح العظيم الذي سيكون لجميع الشعب بميلاد المخلص المسيح الرب( لوقا2:8-10) وقاموا وذهبوا الي بيت لحم وهناك وجدوا مريم العذراء ويوسف النجار والطفل مضجعا في المذود( لو2:15-17). كان الرعاة يمثلون اليهود وهم أحد قسمي العالم, يحيون علي أمل ظهور المخلص الحربي الذي ينقذهم من الاحتلال الروماني, كما كانوا ينظرون إلي بقية العالم علي أنهم أمم وثنية ضائعة تتبع فلسفات ومذاهب متعددة دون معرفة الإله الحقيقي الذي يعرفونه.
الثانية: الملائكة المسبحيون: وهم يمثلون فرحة السماء والسمائيين الفائقة امام اضطراب أهل أورشليم وملكهم الخبيث هيرودس وكانت انشودة الملائكة مجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام وبالناس المسرة( لوقا2:14) تعلن بدء عصر جديد من الفرح والمسرة بين البشر الذين كانوا بلا فرح وبلا سلام. ويقولون عن هذا النشيد الملائكي بأنه أجمل واعذب نشيد استمعت اليه الارض واستمتعت به أيضا.
الثالثة: المجوس الساجدون: وهؤلاء القادمون من بلاد المشرق البعيدة يمثلون الأمم الوثنية وكانوا يعملون بالفلك والنجوم وكانت دراساتهم حول انتظار رب الحقيقة الذي سيأتي ليعلن الحقيقة كما قال سقراط الفيلسوف لا سبيل لمعرفة الحقيقة إلا إذا جاء رب الحقيقة وأعلنها بنفسه والكتاب المقدس لا يخبرنا عن أسمائهم أو أشكالهم أو أعدادهم أو أعمارهم ولكن يهتم بهداياهم الثلاثة ويذكرها ذهبا ولبانا ومرا.
لقد أحضروا هداياهم وحملوها عبر أسفار طويلة وشاقة, وكان النجم السماوي يحركهم ويقودهم نحو اورشليم ثم بيت لحم. والسؤال لماذا اختاروا هذه الهدايا بالتحديد ؟ هناك جانبان للإجابة:
من ناحية السيد المسيح فهي ترمز أنه ملك( ذهب) وكاهن( لبان) ومتألم( مر). ومن ناحيتهم فهذه الهدايا تمثل نوعيات الأيام في حياة أي انسان.:
أيام الذهب: وهي الأوقات الناعمة والمستريحة, الأيام المفرحة,أيام الصحة والمكسب والغني والوفرة والبركة والنجاح المادي والروحي والمعنوي وأوقات الترقي والانتصار وتحقيق الامال والطموحات والحياة الرغدة والتي بلا هم أو قلق.. ومعروف أن الذهب من أغلي أنواع المعادن ـ وصفرة الذهب لها جاذبية ولمعان يضفي بهجة وفرحة علي من يستخدمها ومن يشاهدها.
أيام اللبان: وهي أوقات العمل والدراسة والخدمة والاجتهاد والزرع والتعب والسهر والصلاة والعبادة والممارسات الروحية انها اوقات المعرفة والقراءة والبحث والاختراع والاكتشاف.وهذه الأيام تشغل مساحات زمنية طويلة في حياة الإنسان وتحكم وجوده ونشاطه في أي زمن.
ايام المر: وهي أوقات الألم والمحن والشقاء والفقر والحاجة وضيق ذات اليد والعوز ـ أوقات التجارب والامتحانات والمصاعب والضيقات, وكما يقول طاغور شاعر الهند العظيم لا يصنع منا رجالا عظاما إلا ألم عظيم ويقول أيضا الحب كالبخور لا تظهر رائحته إلا أذا إكتوي بالنار. وحياة الأفراد والمجتمعات مزيج من هذه الرموز ـ الذهب واللبان والمر ـ فهكذا طبيعة الحياة الانسانية والحياة الأرضية وكلها لخير الانسان كما يقول الكتاب كل الاشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله( رومية28:8).
إننا نصلي من أجل سلام العالم وخاصة منطقتنا الشرق أوسطية: كل الأوطان الشعوب وكل المجتمعات وكل الأفراد نصلي من أجل بلادنا مصر ومن أجل رئيسها سيادة المستشار عدلي منصور وكل القيادات التنفيذية والتشريعية والأمنية والشعبية. في كل خطوة: إستفتاء الدستور والإنتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحليات وإن كانت بعض الأيام فيها مرارة فأيام اللبان والذهب قادمة لا محالة.
وكل عام وجميعكم بخير وسلام,