كانت خلقة الإنسان تتويجا لعمل الخليقة بكل أبعادها المادية والطبيعية والنباتية والحيوانية وخلق الله كل شيء بالكلمة: حينما قال: ليكن نور.. وليكن جلد.. وأخيراً قال نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا ( الإصحاح الأول من سفر التكوين). وهكذا صاغ الله صورة تحمل مجده وكرامته… وصار الإنسان هو التعبير والطابع المعبر عن أيقونة إلهية على سطح الأرض مثلما قال القديس كيرلس الكبير عمود الدين(القرن الرابع الميلادى ).
ورغم كل الإمكانيات الكبيرة التى منحها الله للإنسان فى الفكر وفى القلب وفى العقل، إمكانيات الحرية والإرادة والسيادة، الا أن افكاره الذاتية قادته إلى السقوط بعد التعدى وكسر الوصية، والوهم الكاذب الذى تصوره أنه عندما يأكل من شجرة معرفة الخير والشر سيكون عظيماً، ودخل فى صراع الخطية التى طرحته بعيدا خائفاً باكياً ضائعاً محكوما عليه بالموت الابدى (تك 17:2) وظل صوت الله عبر الأجيال والازمان ينادى بنى آدم (أين انت) (تك 9:3)
كانت الوصية خفيفة وبسيطة وكانت بمثابة » اختبار حب » ليعرف الانسان المخلوق حقيقته ومعدنه امام الخالق العظيم ، وسقط الانسان فى هذا الاختبار وكسر الوصية وأحزن قلب الله وحطم حياته التى آلت الى ظلمة حقيقية تاه فيها عقلاً وقلباً وفعلاً..
وبالطبع لم تكن التوبة كافية لعودة الإنسان وخلاصه لأنها ـ أى التوبة ـ عاجزة أن تغير طبيعة الانسان التى فسدت بالخطية كما أن حكم الموت الذى وضعه الله قبل السقوط لابد أن ينفذ وإلا اعتبر كلامه ـ تبارك اسمه ـ ليس صدقاً بل كذباً.
ومنذ سقطة الإنسان ومعصيته أرسل الله قديماً الأنبياء بأنواع وطرق كثيرة ، حتى كلمنا فى الأيام الأخيرة فى مخلصنا يسوع المسيح (عبرانيين2،1:1) .
وجاء السيد المسيح نوراً لكل العالم اذ قال أنا نور العالم (يو12:8) وحفلت كل اعماله وتعاليمه واحداث حياته وخدمته العلنية على الأرض فى الثلث الأول من القرن الأول الميلادى ، بفعل » النور » الذى كانت تحتاجه البشرية بعد ظلمة استمرت دهوراً وأجيالاً .وقال ايضاً مخاطباً اليهود : » انتم من اسفل ، اما انا فمن فوق. انتم من هذا العالم ، اما انا فلست من هذا العالم » (يوحنا 8: 23 ).
لقد كانت تعاليمه ومازالت نوراً لكل البشر حيث قدمت وصاغت فكراً جديداً وروحاً جديدة يستنير به الكيان الإنسانى المظلم ويظهر ذلك فى كل فصول الكتاب المقدس ونطالعه فى كل مواقف الحوار والحديث مع الشخصيات العديدة التى تقابلت مع السيد المسيح حيث نجد نوراً ثميناً يطل على الإنسانية ويكفينا مثالاً لذلك » العظة على الجبل » والتى تشغل ثلاثة اصحاحات من الانجيل المقدس لمعلمنا مارمتى البشير (متي5، 6 ، 7 ).
لقد مات حقاً السيد المسيح على الصليب بشهادة قائد المئة (مرقس 39:15) وحراس القبر (متى 66:27) وموقف النسوة (مرقس 47:15) ، ووجود يوسف الرامى (مرقس 15: 43) ثم ولاية بيلاطس البنطى (مرقس 45:15).
والأدلة على ذلك كثيرة منها حجاب الهيكل الذى انشق (متى 51:27) والأكفان التى اعدت (لوقا 12:24) والحجر الكبير على باب القبر( متى 60:27) والختم الرومانى (متى 27 :66) وأخيراً الضبط بالحراس الأقوياء .
وقام حقاً فى اليوم الثالث للصلب وشهد الملاك لذلك (مرقس 6:16) والحراس ورؤساء كهنة اليهود ثم الظهورات العديدة والتى بلغت اكثر من عشرة ظهورات خلال الأربعين يوماً حتى الصعود المجيد .
والأدلة التاريخية على قيامته الحقيقية كانت من خلال الزلزلة التى وقعت فجر الأحد (لوقا 1:24) والحجر المرفوع (لوقا 2:24) والقبر الفارغ (لو 3:24) والأكفان الموضوعة مع منديل الرأس (يوحنا 7:20).
والكنيسة تسجل حدث القيامة المجيد فى كل عقائدها وطقوسها وتحفظه فى كل الحانها وصلواتها ، ومن العبارات التى نصلى بها يومياً فى تسبيحة نصف الليل حيث نقول فى بدايتها:- » قوموا يا بنى النور لنسبح رب القوات»
وهذا النداء اليومى يعبر عن ضرورة القيامة من ظلمة الخطية وسقطة الموت الأبدى بأبعادها الثلاثية :
ظلمة العقل الإنسانى أى إصابته بالفراغ والتفاهة وهذا ما نراه فى أفكار كثيرين يملأون ساحات الدنيا والميديا على اختلاف أشكالها بتفاهات الأفكار وفراغات الحياة فلا تجد نوراً يضئ ولا عقلاً يستنير ويعيش الانسان فى متاهة الفراغ والتفاهة ورغم تقدمه العلمى إلا أنه يعانى فراغاً عقلياً من أفكار الهدم والشر والجريمة وغيرها .
ظلمة القلب ويظهر ذلك فى البلادة والكسل والإهمال فلا تجد مشاعر الشفقة والرحمة والمحبة والخدمة بل مشاعر الظلم والحقد والانتقام والتذمر وعدم الرضا. ظلمة القلب هى التى تجعلنا نصف صاحبها بانه »أعمى القلب» لا يبصر نوراً ولا يعرف حباً ولا يقدم رحمة بل قساوته الداخلية تجعله أنانياً فى كل ما يفعله ولا يرى فى الوجود سواه ……
ظلمة اليد أى الفساد والعنف الذى استشرى فى العالم وصار يهدد مجتمعات الدول ومصالحها ويقف حائلاً ضد العدالة الاجتماعية ورفاهية الشعوب وحول الأغنياء إلى أثرياء بكل الثروات فى مقابل الفقراء الذين زاد عددهم وفقرهم وتعاستهم حتى صاروا يعيشون على حافة الحياة ……
فأى عقل إنسانى يقبل هذه الحروب والصراعات وأعمال القتل والإرهاب التى سادت فى أماكن كثيرة شرقاً وغرباً … ان الفساد اذ حل فى كل يد صارت أعماله وشروره فى كل مكان بلا معنى ولا مغزى .
ان نداء قيامة المسيح » قوموا يا بنى النور« تحتاجه البشرية الآن أكثر من أى وقت مضي.
ان الإنسانية تحتاج أصحاب الأفكار المستنيرة أى المثقفين والملهمين وأصحاب الفكر المستنير والثقافة المشبعة البناءة التى تقف امام العقل المظلم الذى يعرقل تقدم المجتمعات ويقف حائلاً بين الحاضر والمستقبل بدعاوى أفكار مظلمة أو محبطة أو عفنة او ولى زمنها وضاع وقتها …!!
كذلك تحتاج البشرية أصحاب الأقوال المنيرة من أدباء وفلاسفة وشعراء وأصحاب الفنون الرفيعة والذين يثرون حياتنا بكل ما هو مفيد ورائع ومشبع للنفوس العطشى ويرتقون بالإنسانية فى أسمى معانيها كما قصدها الله فى خلقته.
أيضاً تحتاج البشرية أصحاب الأعمال المستنيرة من إنجازات حقيقية تؤدى بالشعوب إلى حياة الرفاهية المستديمة والسلام الاجتماعى والعدالة السائدة على كل افراد المجتمع . ويسرنا مع هذا العيد السعيد أن نرفع الشكر لله على دوام نعمته لنا…. نشكر السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى على تهنئته الرقيقة لنا بالعيد وكل حكومتنا المبجلة وكل المسئولين فى مصر والذين لا يدخرون جهداً وبذلاً وتضحية من أجل رفاهية وسلام كل مصر ونصلى من أجل » بنى النور » فى كل مكان لكى يسود السلام ويحل الأمان والطمأنينة فى كل البلاد وبين كل العباد.