المسيح قام … بالحقيقة قام…إنها تهنئة القيامة المجيدة والتى تعيد بها جميع كنائس العالم. لقد خلق الله العالم فى كل نوع من النباتات والحيوانات والطيور اعدادًا كثيرة، وكذلك من الاسماك ومن الزواحف من كل شىء، اما عندما خلق آدم فقد خلقه منفرداً متفرداً متميزاً، خلقه على صورته ومثاله، ذو: ضمير صالح ….قلب طاهر….عقل متميز. وهذه الثلاثة تميز الانسان عن باقى المخلوقات، وكان آدم يتمتع بالعيش فى الجنة مع حواء متمتعاً بالحضور الإلهى الدائم، ولكن بدخول الخطية عن طريق الحية حُكم على الانسان بالموت، وصار هناك احتياج انسانى للقيامة، وبتجسد السيد المسيح وموته وقيامته وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِى السَّمَاوِيَّاتِ (أفسس 2: 6) وصرنا بقيامته نتذوق السماء ونحن مازلنا على الارض وقامت فينا ما تميزت به انسانيتنا:
أولاً : قيامة الضمير أى الإحساس بالآخر:
منذ بدء الخليقة والانسان يعيش الانا، يحب نفسه فوق الجميع، آدم الانسان الاول برر خطيته وقال لله :الْمَرْأَةُ الَّتِى جَعَلْتَهَا مَعِى هِيَ أَعْطَتْنِى (تكوين 3: 12)، قايين قال : أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِى (تكوين 4 :9)، و يعقوب سرق بكوريه اخيه، و ابشالوم اراد ان يسرق المُلك من ابيه داود، وعندما ارسل الله يونان لشعب نينوى خاف ان يتوبوا فلم يرض ان يذهب اليهم وعاند نداء الله له. الى ان ولد المسيح، فاراد هيرودس الملك قتله لئلا يأخذ كرسيه… وهاجمه اليهود معتقدين انه ملك ارضى، لكنه اعلن قائلا: مملكتى ليست من هذا العالم (يوحنا 18: 36)، وبدأ يضع تعليماً جديداً للإنسانية، ثم اراد الفريسيون والصدوقيون التخلص منه، واخيراً قام اليهود بالشكاية عليه، لانه يظهر ضعفهم وارادوا صلبه، وعندما خيروهم بين باراباس والسيد المسيح اختاروا اطلاق باراباس القاتل؟.
بعد القيامة استيقظ ضمير البشرية فصارت تبحث عن المساعدة، عن العطاء، عن الخدمة، عن الفرح الحقيقى، ضمير يعلى الاخلاق، السلوك، العمل، الاجتهاد، وكما شرح بولس الرسول فى (اعمال الرسل 24 : 16 ) لِذلِكَ أَنَا أَيْضًا أُدَرِّبُنَفْسِى لِيَكُونَ لِى دَائِمًا ضَمِيرٌ بِلاَ عَثْرَةٍ مِنْ نَحْوِ اللهِ وَالنَّاسِ. وقد كتب لأهل كورونثوس قائلاً : لأَنَّ فَخْرَنَا هُوَ هذَا: شَهَادَةُ ضَمِيرِنَا أَنَّنَا فِيبَسَاطَةٍ وَإِخْلاَصِ اللهِ، لاَ فِى حِكْمَةٍ جَسَدِيَّةٍ بَلْ فِى نِعْمَةِ اللهِ، تَصَرَّفْنَافِى الْعَالَمِ، وَلاَ سِيَّمَا مِنْ نَحْوِكُمْ. (2 كورنثوس 1: 12).
لقد كان السيد المسيح محاطاً بأشخاص يخافون فقط على مراكزهم امثال بيلاطس البنطى ورؤساء الكهنة، والشعب الصارخ اصلبه اصلبه، والتلاميذ الهاربين، والتلميذ الذى انكره وغيرهم. اما بعد القيامة اختفت الأنا وظهر الاحساس بالآخر: فصارت المجدلية تبشر وبطرس الرسول يُعلم وتلميذ آخر يستضيف السيدة العذراء فى بيته وشعب يضع كل امواله عند اقدام الرسل.
والمثال العملى هو مريم المجدلية: وسُميت بالمجدلية نسبة الى موطنها الاصلى فى المجدل على الساحل الغربى لبحر الجليل، على بعد ثلاثة أميال الى الشمال من طبرية ومجدل معناها فى اليونانية برج مراقبة. كانت بعيدة، مُتعبة مما أصابها، اخرج الرب منها سبعة شياطين وشفاها، ومن تلك اللحظة تبعته من الجليل وشاهدت حادثة الصلب، وكانت واقفة عند الصليب حتى النهاية، الى ان رأت مكان القبر، كل هذا من بعيد!.
أما بعد القيامة تغير الوضع، كل التلاميذ كانوا خائفين أما هى وفى فجر الاحد باكراً جداً ذهبت إليه حاملة حنوطاً، لذا استحقت ان تكون أول من رأى الرب القائم، وقد صارت أول كارزة بالقيامة ونقلت الخبر الى التلاميذ والرسل. مريم المجدلية كانت تحتاج الله فى حياتها، كانت تعيش الظلمة وبعد القيامة لم تصبح فقط تعيش فى النور بل ايضاً تكرز به، لقد استيقظ ضميرها بعد ان كان غائباً أو نائماً.
إن قيامة الضمير تعنى الاحساس بالآخر فى صور متنوعة منها: ضمير العمل: الضمير الذى لايتأثر بالمصالح، الذى يُعلى العام على الخاص،وهو الضمير الذى يجعل الشعوب تتقدم وتحترم الانسان كيفما يكون … ضمير السلوك: الضمير الذى لا يتأثر بالشهوة بل انسان لديه سلوك مستقيم، يميز بين الابيض والاسود – واضح و لايسير فى الرمادى – يسلك بخوف الله مع كل أحد يتعامل معه. ضمير الخير: الرحمة والشفقة هى احد اصوات قيامة الضمير، ان تشعر بأخيك، بجارك، بزميلك فى العمل، حتى بالآخر الذى لاتعرفه، وبقيامة المسيح صرنا نرفع شعار «مَنْ يَعْرِفُ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنًا وَلاَ يَعْمَلُ، فَذلِكَ خَطِيَّةٌ لَهُ.» (يعقوب4: 17).
ثانياً: قيامة القلب … اتساع القلب بالحب للكل:
كل انسان لا يحمل الله فى قلبه، يكون قلبه ميتا، ليس فيه حياة لأن الله قال عن نفسه «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ» (يوحنا 14 : 6)، وكل قلب بداخله الله يعيش السماء على الارض.
الانسانية بقيامة الرب يسوع اصبح لديها مفهوم تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. (متى22: 39) تبعاً لوصية السيد المسيح. وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. (يو 13: 34) لانه مكتوب، هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. (يوحنا 3: 16).
هكذا صار مفهوم المحبة هو البذل والعطاء والغفران … مفهوم جديد على البشرية، لان الخطية كانت قد اخفت هذا المفهوم اذ دخلت الخطية الى العالم ودنست خليقة الله وصار الانسان فى حاجة لمن يقيمه، جاء الله متجسداً ليقيمنا من موت الخطية ليثبت لك يومياً ان حياتك ثمينة جداً عنده. عَالِمِينَ هذَا: «أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ، كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ.» (رومية 6: 6). والمثال العملى هو بطرس الرسول :
قبل الصلب كان سمعان بطرس من بيت صيدا عاش فى كفر ناحوم متزوج ويعيش من مهنة الصيد، عاش لمدة 3 سنوات تلميذ السيد المسيح،شخصية مندفعة، احياناً يرى نفسه الافضل وَإِنْ شَكَّ فِيكَ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ”(متى26: 33)، قال لا يمكن ان انكرك، لكنه قبل ان يصيح الديك مرتين انكر الرب يسوع ثلاث مرات وقت الصليب (متى 26: 75). أما بعد القيامة : خجل من السيد المسيح خاصة حين سأله: اتحبنى؟ فكانت إجابته: أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّى أُحِبُّكَ (يوحنا 21: 17) (عرف حجم نفسه، عرف احتياجه الحقيقى ) ثم وفى عظة واحدة كسب ثلاثة آلاف نفس (اعمال الرسل 2). وعملياً: حين دخل الهيكل ورأى على باب الهيكل رجل اعرج من بطن امه جلس يستعطى، فنظر إليه وقال له: لَيْسَ لِى فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ، وَلكِنِ الَّذِى لِى فَإِيَّاهُ أُعْطِيكَ: بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ! فقام ومشى (أعمال الرسل 3: 6). العطاء الحقيقى هو محبة ومساعدة وقبول الآخر مهما يكن ونحن سفراء القيامة مطلوب منا أن نحيا باتساع القلب والذى يعنى: الغفران: نقول فى صلواتنا اليومية: وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. (مت 6: 12) وتصير طبيعة فينا اننا نغفر للمذنبين الينا. القبول: نقبل الآخر مهما يكن مختلفا، يونان النبى لم يقبل ان اهل نينوى يتوبون ويعودون الى الله ولكن الله قبل الجميع. المحبة: الأب فى مثل الابن الضال (لوقا 15 ) مثال رائع على تقديم المحبة، كماوصفها الكتاب المقدس “اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا (1 كورونثوس 13: 8). الله حينما اراد ان يصف نفسه كان وصفه اَللهُ مَحَبَّةٌ (1 يوحنا 4: 16).
ثالثاً : قيامة العقل … الرؤية الايجابية للأمور:
خلق الله الانسان بعقل مستنير مميز لما حوله، ادم باكورة الخليقة استطاع ان يعطى اسماء لجميع الحيوانات وهذا ابداع، لأنه يبتكر اسماء غير موجودة فى اللغة، لكن حواء دخلت فى حوار مع الحية لتقنعها ان الله اعطاها كل شىء، وفى لحظه فكرت واقتنعت ان تصير مساوية هى وآدم لله، وفى هذه اللحظة اظلم عقلهم بكلمات الحية وسقطوا فى الخطية وفقدوا الاستنارة.
وخلال رحلة البشرية نجد كثيرين ابتعدوا عن الله بسبب عقولهم المظلمة، ففكر البشر فى بناء برج بابل ليتحدوا الله ظناً منهم انهم يقدرون .. ثم جاء السيد المسيح ونادى: مَنْ يَتْبَعْنِى فَلاَ يَمْشِى فِى الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ (يوحنا8: 12). وبقيامته اعطانا الله رؤية جديدة للحياة، رؤية ايجابية للاحداث ، لقد اوصانا بولس الرسول: وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ. (رومية 12: 2).
وقصة تلميذى عمواس شاهدة على قيامة العقل: لقد سار تلميذان الى قرية عمواس التى تبعد قليلاً عن أورشليم وكانوا يتناقشوا فيما بينهم حول ما حدث فى اورشليم يوم القيامة، وظهر لهم السيد المسيح وقصوا عليه ما سمعوه عن هذا الانسان النبى المقتدر فى الفعل والقول امام الله وجميع الناس وكيف صلب ومات وكيف شهد تلاميذه والمريمات انه قام وان القبر فارغ . فَقَالَ لَهُمَا: «أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِى الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ!أَمَا كَانَ يَنْبَغِى أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟» ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِن ْجَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِى جَمِيعِ الْكُتُبِ” ( لوقا 24 : 25-27). كان اليهود لهم النظرة الضيقة للخلاص، يعتبرون ان الخلاص لليهود فقط ينتظرون مخلصا ارضيا من الاستعمار الرومانى، وبصلب المسيح وقيامته تغيرت كل المفاهيم، فى هذا الحوار ظهر لهم مفهوم جديد لكلام التوراة، مفهوم مختلف عن الخلاص، استنارت عيونهم بالقيامة.
انه بقيامته حول عقولنا من السلبية المظلمة الى الايجابية المستنيرة: محول للمواقف: كسب المرأة السامرية عندما اعترفت بالحقيقة وقال لها «بالصدق اجبتي» (يوحنا 4)، وفى موقف معجزة اشباع الجموع “فَابْتَدَأَ النَّهَارُيَمِيلُ. فَتَقَدَّمَ الاثْنَا عَشَرَ وَقَالُوا لَهُ: «اصْرِفِ الْجَمْعَ لِيَذْهَبُوا إِلَى الْقُرَى وَالضِّيَاعِ حَوَالَيْنَا فَيَبِيتُوا وَيَجِدُوا طَعَامًا، لأَنَّنَا ههُنَا فِى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ» (لوقا 9: 12) لكن الرب يسوع حول هذا الموقف العصيب الى بركة من خمس خبزات وسمكتين لإشباع الآلاف. يمكنك ان تستخدم المواقف الصعبة وتحولها لنجاح، تستطيع ان تكون اقوى من خلال كل ضيقة، عندما يكون لك فكر المسيح الايجابى .
مبادر للعمل: بدلاً من ان تلعن الظلام اضىء شمعة نحن لا نشابه العالم فى التفكير بل نبحث عن ماذا نستطيع ان نقدم للانسانية، قد رأيت انُاساً انشغلوا بالسلبيات فلم يحققوا تقدماً بل انهم حاولوا ان يُعيقوا المتقدمين، وانت اين من هؤلاء واولئك؟، هل ننشغل بما حولنا ام نتقدم للعمل؟. يبنى ولا يهدم : تفكيرك الكثير فى الضيقة والمتاعب يفقدك حياتك، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ. (رومية 8: 28). لذلك ابنى ثقة مع الآخرين …ابنى جسور محبة…ابنى اعمال للوطن. هكذا يكون انسان القيامة الجديد صاحب ضمير صالح وقلب طاهر وعقل مستنير ..وهكذا تكون قيامة الانسان . لقد قام ليمنحنا هذه القوة الجديدة لحياتنا الانسانية .
وفى هذه المناسبة السعيدة نرفع خالص تهانينا القلبية الى فخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى والى السيد الدكتور رئيس مجلس الوزراء والسادة الوزراء والسيد المستشار رئيس مجلس النواب والسيد المستشار رئيس مجلس الشيوخ والقوات المسلحة والشرطة الوطنية وجميع المسئولين الكرام على ارض مصر ونهنئ الجميع بقرب حلول عيد الفطر المبارك. كما نصلى من اجل سلام العالم وتوقف الحروب والنزاعات والصراعات التى جعلت العالم يعيش ازمات خانقة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والصحية. وليحفظ الله بلادنا العزيزة فى عزة ورخاء وسلام ويعطى الحكمة والقدرة على مواجهة جميع التحديات عالمين ان مصرنا محفوظة فى قلب الله الذى قال: مُبَارَكٌ شَعْبِى مِصْرُ (إش 19: 25).
كل قيامة وجميعكم بخير وسلام.