“الهوية” مصطلح انساني هام يدرس في كليات الدراسات الاجتماعية وله مدلولات كثيرة وعديده فهناك الهوية الوطنية او الهوية الدينية او اللغوية أو الأدبية أو الفنية أو…الخ وكل نوع من الهوية يشكل طبيعة حياة صاحبه ويصف انتماؤه المكاني والزماني والوجودي… ومجال البحث واسع جداً وشيق في شرح أصول مجموعات البشر التي تشكل القبائل والشعوب والامم والاجناس والأوطان…
واذ جعلنا حديثنا عن الهوية المسيحية فأنها تشمل جميع المؤمنين بالسيد المسيح فادياً ومخلصاً. بمعنى آخر أنه يمكن اختصار الهوية المسيحية في كلمة واحدة هي “الصليب” أي الايمان بالصليب الذي فيه تدبير الخلاص من خطية أو معصية آدم وكذلك من نتائج هذه الخطية التي عمت الجنس البشري من بعده وهي الفساد والموت. كانت الخطية سبباً في سقوط الانسان وطرده من الجنة ومن ورائه كل الجنس البشري إلى ان جاء السيد المسيح متجسداً وخادماً وفادياً ومصلوباً على الصليب من أجل كل أنسان. وفي كتاب “تجسد الكلمة” للقديس اثناسيوس الرسولي نقرأ عن ان محو الخطية بالغفران لا يكفي طالما بقيت نتائج هذه الخطية، والإ سنظل في حالة الموت والهلاك. أو كما نعبر في قانون الايمان: هذا الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا… “لأن الله بيَّن محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاه مات المسيح لأجلنا..” (روميه 8:5-10).
والقديس ابونا بيشوي كامل كاهن (الإسكندرية) يقول “أن المسيحية بدون صليب هي عروس بلا عريس” فالصليب هو محور حياة المؤمن المسيحي في ايمانه وعقدته وتاريخه وتراثه، وصار المسيح ما المصلوب والقائم من بين الاموات هو الوحيد الذي يستطيع أن يمسح الخطية والذنب عن الانسان وبغير لا يكون خلاص لأحد.
وعلى مستوى كنيستنا القبطية نحتفل بعيد الصليب مرتين، الأولى يوم 10 برمهات (19 مارس) والثانية 17 توت (27 سبتمبر) في كل عام وبين هذين اليومين نحتفل بيوم الجمعة العظيمة ـ جمعه آلصلبوت والتي تسبق عيد القيامة بيومين.
ومن المدهش أننا نرى أشاره الصليب وشكله متغلغل في الحياة الانسانية على اوسع نطاق: في الهندسة والرياضيات، في الكتابة والحسابات في المرور والقاطعات، …الخ حتى أن القديس داوود النبي رسم بكلمات في مزاميره صورة الصليب حين قال:” لم يصنع معنى حسب خطايانا ولم يجازنا حسب آثامنا، لأنه مثل ارتفاع السماوات فوق الارض (العارضة الرأسية في الصليب) قويت رحمته على خائفيه. كبعد المشرق من المغرب (العارضة الأفقية في الصليب) أبعد عنا معاصينا..” (مزمور 10:103ـ12).
وفضلاً عن أن الصليب هو علامة الايمان وعلامة هويتنا الدينية، فأننا نرشمه مراراً وتكرار كل يوم وفي سائر مناسبتنا حياتنا إذ به يتقوى العقل والقلب والضمير، كما أننا به نطرد كل أعمال إبليس وأيضاً هو الحارس الأمين في مواقف الضعف الانساني والخلاصة هو علامة الحب الذي غلب الموت وقهر الهوية ورفع الانسان عالياً.
ومن داخل الهوية المسيحية نجد الهوية الكنسية من كنيستنا القبطية الأرثوذكسية والتي تضمنا جميعاً من جيل إلى جيل. وملامح هويتنا الكنيسة عديدة، سوف أقصر الحديث عن ثلاثة ملامح فقط:
الملمح الأول: في كنيستنا أيقونة:
والمقصود بالأيقونة هو كل اسرة قبطية تكونت في سر الزيجة المقدس حيث الاتحاد الثلاثي بين العريس والعروس والمسيح والخيط المثلوث لا ينقطع سريعاً (جا 12:4). يقول القديس يوحنا فم الذهب “الاسرة أيقونه الكنيسة” فالأسرة القوية هي التي تلد قديسين وتخدم الكنيسة وتخدم المجتمع وتربي المخافة في القلوب وتشجع وتغرس قيم الحياة المستقيمة في النفوس كما أن الاسرة المسيحية الحية لها دور عظيم في الرعاية والتعليم والتدبير والنمو والشبع بالحب الحقيقي والنفس الشبعانة تدوس العسل (أي اغراءات العالم ومفاسده) (أمثال 6:27).
الملمح الثاني: في كنيستنا جوهرة:
وهي الرهبنة وكما نعلم فانه الرهبنة نشأت على أرض مصر من الآباء الأول مؤسسو الحياة الرهبانية مثل انطونيوس الكبير ومكاريوس الكبير وباخوميوس الكبير وغيرهما عشرات ومئات ومن مصر انتقلت الرهبنة إلى العالم كله… ورغم أن التاريخ يحكي لنا عن مئات الأديرة التي انتشرت في ربوع مصر، ألا اننا نجد كنيستنا حالياً ما يقرب من ستين ديراً للرهبان والراهبات في مصر وفي خارج مصر.
والرهبنة جوهرة في حياتنا الكنيسة بآباء الأديرة وأمهات الأديرة والذين يعيشون في مخافة الله يصلون ويتأملون ويدرسون ويخدمون وبتقواهم نتذوق حلاوة الحياة مع المسيح. ومن الملاحظات الجميلة أن الاقباط يميلون في أيام اجازتهم الأسبوعية أو غير الأسبوعية في زيارة الأديرة والتبرك بها ونوال زاداً روحياً فيه غبير ونسمات براري القديسين. وصلوات الأديرة المرفوعة تحفظ أسرنا وخدماتنا وكنائسنا ووطننا العزيز.
الملمح الثالث: في كنيستنا منارة:
والمقصود بالمنارة هو استقامة ايماننا وعقدتنا فكلمة “الأرثوذكسية” تعني استقامة الايمان والفكر والعقيدة والسلوك. وليس مجرد بناء يميز الكنيسة في المجتمع، ولكنها تعبير قوي عن طبيعة ايماننا الذي حافظ عليه الآباء والاجيال السابقة حتى وصل لنا ايماناً نقياً وبهياً نعيشه في الطقوس والالحان والايقونات وسيرَّ القديسين والسنكسار اليومي مع التسابيح والترانيم والمديح، كما نعبر عنه في بعض التقاليد الشعبية مثل البلح والجوافة في عيد النيروز والقصب والقلقاس في عيد الغطاس وغيرها ذلك كثير.
هذه هي هويتنا المسيحية “الصليب”
هويتنا الكنسية “الأيقونة” “والجوهرة” “والمنارة”
ونهتف جميعا: إلى الحياة هي المسيح”(في 21:1)