كنيستنا القبطية واحدة من أقدم كنائس العالم المسيحي توصف بأنها كنيسة رسولية تقليدية محافظة عاشت الإيمان الأرثوذكسي منذ أن وقعت أقدام كاروزنا مارمرقس الرسول الطاهر والشهيد على أرض مصر ونالت بلادنا بركة استشهاده في شوارع مدينة الإسكندرية في القرن الأول الميلادي.
وعبر العصور والأجيال والقرون حدثت “افتراقات” الكنيسة المسيحية وتشعبت إلى كنائس شرقية وكنائس غربية وسادت روح بعيدة عن المسيح في مجمع الانقسام المشئوم في خلقيدونية عام 451م بسبب “الذات” و”الكبرياء” ومحبة الكرامة والرئاسة والبحث عن الأفضلية والأولية واختلطت السياسات بالإيمانيات وامتدت إلى القرون الوسطى مما أدى إلى مزيد من الانقسامات والتباعد والخصام والتناحر والصراعات الدموية في بعض الأحيان… وغيرها وكل هذا والمسيح ينتظر ويطيل أناته ويصبر على بني البشر أعضاء كنيسته الواحدة التي أحبها وسفك دمه الطاهر من أجلها على خشبة الصليب المقدسة حيث صلى الصلاة الوداعية قبل أحداث الصليب بساعات قائلاً: “لِيَكُون الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي. وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ. أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ” (يوحنا 17: 21-23).
وهذا الفكر العميق كرره القديس بولس حين قال: “فَتَمِّمُوا فَرَحِي حَتَّى تَفْتَكِرُوا فِكْرًا وَاحِدًا وَلَكُمْ مَحَبَّةٌ وَاحِدَةٌ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، مُفْتَكِرِينَ شَيْئًا وَاحِدًا” (فيلبي 2: 2).
ومع حلول القرن العشرين وحدوث حربين عالميتين عامي (1914 و 1939) وراح ملايين من البشر ضحايا نتيجة الغباء البشري وضيق الأفق وأيضًا الذات والكرامة والكبرياء وغياب التواضع والفهم العميق للوجود الإنساني على سطح الأرض.. ومازالت الصراعات التي تحدث هنا أو هناك بأسباب غير منطقية وغير عقلانية على الإطلاق. وها نحن نشهد حرب عبثية بين جارتين في الشرق تؤثر على العالم كله في مجال الغذاء والطاقة.
عبر سنوات القرن العشرين ظهرت الحركة المسكونية التي تنادي بالعودة إلى الروح الواحدة التي تربط بين أعضاء جسد المسيح الواحد التي هي كنيسته في كل مكان.
وبدأت أصوات عاقلة وحكيمة تنادي بالفهم المتبادل بين الكنائس والحوارات والتواصل والتقارب على مستويات عديدة.
ولكنيستنا القبطية مشاركة في هذا التقارب بدأ منذ عشرات السنوات بالعضوية في مجلس الكنائس العالمي والمجالس الكنسية الإقليمية، وأيضًا بالحوارات اللاهوتية بين كنائس عديدة، وبزيارات متعددة، ولقاءات، وتواصل سعيًا لتحقيق رغبة المسيح الأخيرة “لِيَكُون الْجَمِيعُ وَاحِدًا” ولكن مازالت الأصوات المزعجة، والقلوب المتحجرة، والعقول المغلقة لا ترى سوى ذاتها وتعتبر الآخرون كلهم مخطئون بعيدون عن جادة الصواب.
أعضاء الجسد الواحد متنوعة بالطبع.
وأعضاء جسد المسيح – كنائس- متنوعة أيضًا في الثقافة واللغة والتقاليد والتاريخ ولكنها تفرقت بسبب الهرطقات والتفسيرات الخاطئة والانحرافات الإيمانية وغيرها.
والمسيح رأس الكنيسة الواحدة رغم الانقسامات الحادثة. والرأس (المسيح) يبحث عن أعضاء جسده (كنيسته) المتفرقة شرقًا وغربًا ويفرح بكل يد تمتد لتجمع أعضاء جسده.
ويجب أن تتطلع كنيستنا صاحبة التاريخ القديم والإيمان القويم بدور متميز في هذا الصدد.. بل ويجب أن تمد أيديها نحو الجميع بلا تفرقة وبلا تمييز على أرضية المحبة المسيحية التي يبحث عنها المسيح في كل قلب، لأنها هي الباقية والممتدة إلى الحياة السماوية بين الفضائل العظمى الإيمان والرجاء والمحبة ولكن أعظمهن المحبة (1كو 13: 13).
وبناء على ذلك نقوم بزيارتنا إلى الخارج.
أولاً لافتقاد كنائسنا وأبنائنا والاطمئنان عليهم حيث لنا كنائس وإيبارشيات وأديرة وأساقفة وكهنة وشمامسة في أكثر من مائة دولة في العالم.
وثانيًا للتواصل مع كنائس العالم في محبة المسيح التي تجمعها، ونشترك في صلوات قلبية، وقراءات إنجيلية، وعظات روحية نقدمها بنفوس نقية دون الدخول في اختلافات التفاصيل والتفسيرات العقائدية والممارسات الطقسية.. ونحل ضيوفًا على هذه الكنائس التي تصلي بقانون الإيمان النيقاوي (وقد توجد به بعض الإضافات التي لا نقبلها إيمانيًا) بل ونحاول أن نشرح المفاهيم الإيمانية المتعلقة بأسرارنا وطقوسنا وعقائدنا كلما أتيحت الفرصة لذلك… ونقبل أعضاء جسد المسيح الواحد كما هي رغم التباين الذي نراه، ولا نفرض شكلاً أو رأيًا على أحد، ولا نخطّئ أحدًا، ولا ندين أحدًا على الاطلاق لأن المسيح هو صاحب هذا الحق وحده فقط.
بنعمة المسيح زرنا العديد من الكنائس المسيحية عبر العالم كله.. لقد زرنا كنائس متحدة معنا في الإيمان الأرثوذكسي المستقيم مثل أثيوبيا والسريان والأرمن (لبنان/أرمينيا). وكذلك كنائس العائلة الأرثوذكسية البيزنطية: روسيا – اليونان – الإسكندرية والقدس. وأيضًا زرنا كنائس كاثوليكية في بلاد عديدة، وكنائس أنجليكانية في إنجلترا وكندا، وكنائس بروتستانتية في ألمانيا والسويد وغيرها. وفي المقابل زارنا بطاركة وقادة كنائس من كل الطوائف المسيحية في زيارات محبة وتعارف. ومع كثير من هذه الكنائس هناك حوارات لاهوتية مشتركة، ومقابلات، ومؤتمرات عديدة. نحاول أن نفهم بعضنا البعض ونتقارب على أرضية المحبة، ونشرح الإيمان والتقاليد، ونصلي من أجل أن يأتي يوم نتحد فيه ونصل إلى اتحاد الإيمان وإلى معرفة مجدك غير المحسوس وغير المحدود فإنك مبارك إلى الأبد أمين.