التاريخ هو الحياة
وهو صفحات متعاقبة
نرى فيها يد الله التي تعمل مع البشر لأنه ضابط الكل.
والتاريخ المصري غني لمن يريد أن يتعلم ويستقي الدروس وخبرات الحياة..
قبل ميلاد السيد المسيح دخلت مصر تحت حكم روما، وصارت مِلكًا خاصًا للإمبراطور الذي احتفظ بالسلطة العليا فيها باعتباره وارث عرش الفراعنة. وخضعت مصر للرومان عام 31ق.م. وصارت ولاية رومانية حتى سنة 395م، أما الفترة من 395-641م فهي المعروفة بالعصر البيزنطي، وكان المجتمع المصري يتألف من طوائف الرومان والإغريق واليهود وأخيرًا المصريين، الذين عانوا الفقر والحرمان عدا قلة ضئيلة. ورغم ذلك أعتبرت مصر كأنها مزرعة كبيرة لروما ومصدرًا رئيسيًا لتوريد القمح لها. وظلت الإسكندرية عاصمة مصر، وأعظم مدن الإمبراطورية الرومانية بعد روما، وأضخم مواني البحر الأبيض المتوسط، وأهم مركز للثقافة الراقية والفن الرفيع.
وفي عهد الإمبراطور طيباريوس قيصر (14-37م) جاء السيد المسيح يكرز بالتوبة لاقتراب ملكوت السموات، وخلال الفترة من سنة 54-68م حكم نيرون الطاغية وامتد طغيانه إلى كل أرجاء الإمبراطورية، ومنها مصر بالطبع. وفي عهده جاء القديس مرقس البشير إلى مصر (الإسكندرية) ليكرز بالمسيح مخلصًا وبه تأسست كنيسة الإسكندرية.
وهربًا من بطش هيرودس ملك اليهودية الروماني، جاء السيد المسيح إلى مصر مع مريم العذراء أمه ويوسف النجار خطيبها. وهناك بردية أثرية من القرن الرابع الميلادي تتحدث عن فترة وجود العائلة المقدسة في مصر، وأنها استمرت 3 سنوات وأحد عشر شهرًا. وهذه البردية مكتوبة باللهجة القبطية الفيومية وطولها 31,5سم وعرضها 8,4سم ونشرتها جامعة كولون بألمانيا لأول مرة في مايو 1998م. ومكتوب بالبردية إن مصر أعظم أرض في العالم، وأن نيل مصر لم ينضب طوال الدهر، وأن ثمارها أطيب ثمار، وأن شهر بشنس هو أكثر شهور السنة بركة. ونحن نحتفل في 24 بشنس بتذكار دخول العائلة المقدسة إلى مصر والموافق الأول من شهر يونيو كل عام.
وتتوالى صفحات التاريخ المصري امتدادًا من العصور الفرعونية إلى العصر المسيحي بدخول القديس مارمرقس إلى الإسكندرية للكرازة بالمسيح، وتأسيس مدرسة التعليم المسيحي، ثم عصور الاستشهاد والتي سادت حتى القرن الرابع، ثم الرهبنة المسيحية وتأسيس الأديرة وظهور القامات الروحية لقادة الحياة الرهبانية وواكب ذلك عصر المجامع المسكونية.
إلى أن دخل العرب مصر وبدأ العصر الإسلامي، وتوالت حقبات الملوك والولاة والخلفاء، وظهور الدولة الأموية ثم الطولونية ثم الإخشيدية ثم عصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك، إلى أن جاء العصر العثماني والذي فيه تدهورت حالة الأقباط بشدة، وخلاله جاءت الحملة الفرنسية على مصر والتي كان لها عدد من الفوائد أهمها تسجيل حالة مصر من جميع الجوانب فيما سمي كتاب “وصف مصر”، والذي يحوي مجلدات وشرحًا وتوصيفًا في غاية الجمال. وبدأ بعد ذلك عهد محمد علي باشا وأسرته، وظهرت بعض الثورات مثل ثورة أحمد عرابي وثورة سعد زغلول..
وشملت الكنيسة القبطية نهضة واسعة في زمن البابا كيرلس الرابع ثم البابا كيرلس الخامس (1874-1927م) وتأسيس المتحف القبطي. ثم جاء النظام الجمهوري وفيه وقعت حرب يونيو 1967، وبناء الكاتدرائية المرقسية بالعباسية بالقاهرة 1968، وظهور القديسة مريم العذراء في الزيتون في ذات العام مع دخول رفات مارمرقس الرسول. وأود أن أتوقف عند العام 1973 والذي شمل حدثين في غاية الأهمية أحدهما كنسي والآخر وطني.
في 10 مايو 1973 كان اللقاء الأول بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الرومانية الكاثوليكية في الفاتيكان ممثلاً في زيارة البابا القبطي شنوده الثالث إلى البابا الكاثوليكي بولس السادس، وإعلان بيان مشترك بين الكنيستين اعتبر قاعدة العلاقات والحوارات بينهما.
وكذلك قدمت كنيسة روما جزءً من رفات القديس أثناسيوس الرسولي البطريرك العشرين (328-373م) في مناسبة مرور 16 قرن على نياحته (373-1973م) وأقيم احتفال عظيم في القاهرة ثم الإسكندرية حيث يرى المصريون أن البابا أثناسيوس (ومعنى اسمه الخالد) رمزًا للإيمان المستقيم ولا أحد يملي آراءه أو عقائده على كنيسة الإسكندرية.
أما الحدث الوطني فهو انتصار العسكرية المصرية يوم 6 أكتوبر 1973 في حرب ساحقة مع إسرائيل، وكان للرئيس السادات الفضل في قرار الحرب الذي استعادت به مصر جزءًا من شبه جزيرة سيناء، واكتملت بالمفاوضات والتحكيم الدولي. واليوم نحتفل باليوبيل الذهبي لهذا النجاح وهذا التاريخ المجيد، ونقدِّم التحية إلى القوات المسلحة المصرية والعربية التي شاركت في صنع هذا النصر العظيم، ذاكرين كل الشهداء والتضحيات التي قُدِّمت ثمنًا لنصر عزيز مُلهم لجميع الأجيال.. وتحيا مصر.