أدوات الأب الأسقف في تهديف الخدمة والإدارة بالنتائج
أدوات الأب الأسقف في تهديف الخدمة والإدارة بالنتائج
" أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ الجَعَالَةِ" (في 3: 14)
د. مجدي لطيف السندي
العناصر:
– مقدمة
– ما هي عناصر “منظومة الخدمة المتكاملة” في الكنيسة ؟
– ما معني وأهمية الخدمة المهدفة؟
– ما هي مكونات منظومة الخدمة المهدفة؟
– قصة نحميا: نموذج كتابي في الإدارة بالنتائج (الثمر)
– عناصر الكنيسة المهدفة المثمرة
– الصورة الكتابية لكنيسة مثالية “مهدفة، مثمرة، نامية”
– الخلاصة
مقدمة:
“تهديف الخدمة” موضوع هام جداً لأن أي خدمة بلا هدف ستتحول حتماً إلي مجموعة من الأنشطة العشوائية تشغل الوقت والجهد وتستهلك موارد دون نتيجة أو ثمر حقيقي (أي “ضجيج بلا طحين”).
و”الإدارة بالثمر” هو التعبير الكنسي للمنهج العلمي المسمي “الإدارة بالنتائج” (وهو من أحدث أساليب الإدارة في كل المؤسسات والبرامج التنموية Results Based Management)، والمقصود به التركيز علي نتائج التغيير الحادث Change Results)) في حياة البشر أو في المؤسسة التي تخدمهم، وليس مجرد الأنشطة أو الأفعالActivities/Actions) ).
والكنيسة – كمؤسسة روحية – تستفيد من هذ المنهج وتستخدمه في إدارة منظومة خدماتها، ويعني إنشغال الكنيسة بالنتائج أو بالثمار التي وضعتها كأهداف للخدمة، وخاصة وأن “الإثمار الروحي” وصية إهتم بها السيد المسيح جداً وأكد عليها الإنجيل (مثلاً مت 7: 15 – 20 ؛ مت 21 : 18 – 20 ؛ يو 15: 1- 16).
ولكن الثمار(أو النتائج) لا تأتي بشكل عشوائي، ولكنها نتيجة إدارة منظومة خدمة متكاملة، وضع أسُسُهَا السيد المسيح بنفسه.
والأب المدبر “الناظر من أعلي” يهتم أولا وأخيرا بالثمار، ويوجه أنظار قيادات الخدمة الي “الفوز بالجعالة” ” أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ الجَعَالَةِ” (في 3: 14).
وقد قدم العهد القديم في قصة نحميا نموذج رائع لإدارة منظومة الخدمة المتكاملة التي أتت بثمار عظيمة. كما رسم العهد الجديد صورة كتابية للكنيسة المثالية كمنظومة متكاملة مهدفة ومثمرة ونامية.
وفي هذه المحاضرة سوف نستعرض هذه العناصر.
ما هي عناصر منظومة الخدمة المتكاملة ؟
وضع السيد المسيح أسس إدارة الخدمة كمنظومة متكاملة (تخطيط – تنفيذ ومتابعة – تقييم) في كثير من تعاليمه وأمثاله. فهو أكد علي:
1. أهمية “التخطيط” في مثل حساب النفقة “مَنْ مِنْكُمْ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بُرْجاً لاَ يَجْلِسُ أَوَّلاً وَيَحْسِبُ النَّفَقَةَ هَلْ عِنْدَهُ مَا يَلْزَمُ لِكَمَالِهِ؟ ” (لو14: 28).
وفي مثل الوزنات أثني السيد علي من إستثمر وزناته ” نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ. كُنْتَ أَمِيناً فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. ادْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ.” (متي 25: 21). ففي التخطيط “إستثمار للوزنات” (أي كل الموارد التي تمكلها الكنيسة كجسد واحد في المسيح: بشرية ومالية ومادية ومعلوماتية وفنية).
2. ضرورة “تنفيذ ومتابعة الخطة” ، ففي مثل الوزنات ” فَقَالَ الرَّبُّ: فَمَنْ هُوَ الْوَكِيلُ الأَمِينُ الْحَكِيمُ الَّذِي يُقِيمُهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ الْعُلُوفَةَ فِي حِينِهَا؟” لو 12: 42)، وإعتبر السيد أن في متابعة تنفيذ الخطة أمانة للوكالة المؤتمن عليها كل وكيل. وفي مثل حساب النفقة نبه الي خطورة عدم الإستمرار “لئَلاَّ يَضَعَ الأَسَاسَ وَلاَ يَقْدِرَ أَنْ يُكَمِّلَ فَيَبْتَدِئَ جَمِيعُ النَّاظِرِينَ يَهْزَأُونَ بِهِ ” (لو14: 28 – 30).
3. حتمية “تقييم النتائج”، ففي مثل وكيل الظلم أمر السيد وكيله “أَعْطِ حِسَابَ وَكَالَتِكَ” (لو 16: 2)، وفي مثل الوزنات أكد علي مبدأ التقييم والحساب “وَبَعْدَ زَمَانٍ طَوِيلٍ أَتَى سَيِّدُ أُولَئِكَ الْعَبِيدِ وَحَاسَبَهُمْ (متي 25: 19). ففي التقييم تقديم كشف حساب للخدمة، ومراجعة للحصاد والثمر.
الخدمة المهدفة تعني خدمة تقودها رؤية، وتلهمها رسالة، وتوجهها أهداف محددة، تُتَرجَم لخطة عمل، ترسم الأنشطة التي يجب أن تُنفذ من أجل أن تؤتي الثمار (النتائج).
الخدمة المهدفة هي منظومة متكاملة غرضها الأساسي هو الإثمار الروحي. وإدارة منظومة الخدمة تسعي بإستمرار إلي تحقيق هذه الثمار (النتائج)، وهذا هو المقصود “بالإدارة بالثمر أو بالنتائج”.
فما معني منظومة الخدمة وما هي عناصر كل مكون من هذه السلسلة؟
مكونات منظومة الخدمة المهدفة*
أولاً: مرحلة تخطيط الخدمة
منظومة الخدمة تبدأ برؤية (Vision) واسعة للخدمة؛ صورة ذهنية مشرقة للمستقبل يري فيها القائد خدمته ومخدوميه في حالة مثالية يحلم بها، ويستلهمها من الله.
ولكي تتحول الرؤية من مجرد أمنية وحلم الي واقع، يجب أن تترجم الي رسالة أو إرسالية (Mission)، تصبح هي الشغل الشاغل للقائد؛ هي خارطة الطريق التي تحدد الي أين يتجه وكيف. فإذا كانت الرؤية تجيب علي سؤال “ماذا“، فإن الرسالة تجيب علي سؤال “كيف“.
والرسالة يجب أن تُفَصَّل في أهداف (Goals): أي خطوات محددة وقابلة للقياس وممكنة التحقيق وملائمة ومحددة بزمن (أي SMART). وكل هدف يتم تحقيقه هو خطوة علي الطريق لتحقيق الرؤية.
وكل هدف يجب أن تكون له خطة عمل (Action Plan) واضحة، ترسم بالتفصيل الأنشطة والمسؤليات والأدوار والزمان والمكان والتكلفة المطلوبة. وكلما كانت الخطة تفصيلية وواضحة المعالم، كلما ساعدت القائد علي تحقيق الهدف، علي هُدي الإرسالية التي ستحقق الرؤية.
* لمزيد من التفاصيل أنظر كتابنا “الشهادة المسيحية في عصر جديد. محور الإدارة الكنسية”. الناشر أسقفية الشباب 2013.
ثانياً: مرحلة التنفيذ والمتابعة
ومن خلال خطة العمل يتم “إدارة الموارد والنظم”، بمعني تشغيل الموارد المتاحة في الخدمة من خلال نُظم الإدارة المختلفة(System Management) . فإدارة الخدام الذين يقومون بالعمل يتم تنظيم وإدارة عملهم من خلال نظام إدارة الموارد البشرية؛ والأموال التي تنفق من أجل الخدمة، يتم إدارتها من خلال نظام الإدارة المالية؛ والمرافق والمنشآت التي تستخدم في الخدمة يتم إدارتها من خلال نظام إدارة الأصول؛ والمعلومات التي يتم توليدها من خلال العمل والإنجاز اليومي يتم جمعها وإدارتها من خلال نظام إدارة المعلومات، .. وهكذا.
ثالثاً: مرحلة تقييم الثمر
ومع تشغيل الموارد من خلال نظم الإدارة تبدأ الثمار (النتائج) في الظهور. وبحسب مثل الزارع والثمار (مت 13 : 1 – 22) أوضح السيد المسيح أن هناك ثلاثة أنواع من الثمار: ثلاثين وستين ومائة. وواضح أن هناك تدرج. فما الفرق بينها ؟
مثال عملي: لو أخذنا مثلاً برنامج “إعداد الخدام” في كنيسة ما كنموذج، ما هي الثمار المتوقعة من هذا البرنامج؟
ثمار الثلاثين (النتائج المباشرة والسريعة لتنفيذ الأنشطة، أو المخرجات (Outputs). المخرجات المباشرة هي هي “تخريج عدد (#) من الخدام إجتازوا بنجاح فترة الإعداد وأصبحوا مؤهلين للخدمة في كنيسة (س) بنهاية عام ؟؟؟؟”.
ثمار الستين: هي النتائج غير المباشرة (أو المردودات اللاحقة Outcomes) والتي تحتاج الي بعض الوقت لكي تظهر، وعادة يشير الي “التغيرات في السلوكيات أوالنظم“؛ ففي المثل السابق مردود تخريج هؤلاء الخدام تظهر في “تغيير سلوكيات المخدومين التي تعكس أثر الخدام الجدد فيهم”؛ كما يظهر المردود علي نظام الخدمة نفسها، إذ تحدث “نقلة نوعية في الخدمات والأنشطة التي تولاها الخدام الجدد فتصبح أكثر إثمارأ، أوإستمراراً أوإستقراراً”؛
ثمار المائة: هي الأثر بعيد المدي للنشاط (Impact)، وهو تحتاج الي وقت طويل للظهور، قد يتجاوز مدة البرنامج نفسه. وهذا الأثر يشير الي “التغيير النوعي في نمط الحياة في إتجاه الأبدية”، وفي المثل السابق، فإن “تكريس بعض هؤلاء الخدام تكريساً كاملاً للخدمة” هو ثمر بعيد المدي ويعكس التأثير العميق لبرنامج إعداد الخدام علي حياتهم.
قصة نحميا: نموذج كتابي في الإدارة بالنتائج (الثمر) *
قصة نحميا نموذج رائع فيه مبادئ إدارة منظومة الخدمة المهدفة المثمرة. وتظهر فيها عناصر الإدارة بالثمر.
إدارة منظومة الخدمة المهدفة في نموذج نحميا
الرؤية (2: 17 – 18)
كان هذا هو حلم (رؤية) نحميا: أن يري شعبه يسترد المكان الذي إختاره الله له لإسكان إسمه فيه. نحميا يُذَكِّر اللهَ بوعده، ويستمد رؤيته من الله نفسه.
وعندما تتفق الرؤية الشخصية مع الرؤية الإلهية لابد أن تؤتي ثمار عظيمة. وقد نجح نحميا أيضاً في أن ينقل هذه الرؤية الي شعبه، وساعدهم أن يروها معه، فكانت مصدر إلهام للشعب كله مثلما كان لنحميا نفسه كقائد
* لمزيد من التفاصيل أنظر كتابنا “الشهادة المسيحية في عصر جديد. محور: الإدارة الكنسية”. الناشر أسقفية الشباب 2013
الرسالة (2: 20)
رؤية نحميا كانت تعني من الناحية العملية إرسالية محددة: بناء السور وبناء الشعب؛ وهذه الإرسالية كان شعارها “عمل الهي وإنساني معاً لابد أن ينجح”. وأصبحت هذه الرسالة هي الشغل الشاغل لنحميا كقائد وللشعب من ورائه.
الأهداف: (2: 4-5)
كان نحميا يعلم تماماً ماذا يطلب وماذا يريد أن يفعل؛ وكان الهدف ذكياً: محدد وقابل للقياس وممكن التحقيق وملائم ومحدد بزمن. وهذا الوضوح ساعد نحميا أن ينال ما طلب. إن الهدف أول خطوة في ترجمة الرسالة الي عمل!
الخطة : (2: 6 -8).
عناصر الخطة عند نحميا كانت مثالية: هدف واضح – أنشطة محددة – مدة زمنية محددة – اشخاص مسئولين محددين – مكان محدد للعمل – حساب التكلفة. ولاشك أن تقديس هذا العمل بالصلاة المستمرة ورفع القلب الدائم ساعدت نحميا أن يرسم خطة ممتازة ومركزة ويقدمها للملك، فتعطي مصداقية أعلي لنحميا كقائد.
ويمكن النظر لخطة نحميا أنها كانت من مكونين: 1) خطة قصيرة الأجل (إعادة بناء أسوار أورشليم وبوابات المدينة وتحفيز الشعب علي العودة والعمل)، وهو ما إستغرق حوالي 52 يوم؛ 2) خطة إستراتيجية بعيدة المدي (إعادة بناء الشعب وتسكينه أورشليم بعد إعمارها)، وهو ما إستغرق باقي السفر (من ص 7 – 13) وإستغرق حوالي 12 سنة. وحكمة وحنكة نحميا كقائد – بإلهام الروح – أنه عرف ترتيب أولوياته، لأنه بدون نجاح الخطة قصيرة الأجل ما كان ممكناً أن يقوم بالخطة طويلة الأجل.
تعبئة الموارد: (2: 8-10).
الخطة وحدها ليست كافية. فكان يجب أن تدعم بالموارد التي ستساعده كقائد علي التنفيذ: موارد بشرية (فرسان وجنود أمًنوا رحلته، ثم قيادات الشعب والكهنة والأشراف وباقي عاملي العمل)، موارد عينية (أخشاب من فردايس الملك)، موارد مالية (لشراء المعدات ودفع الرواتب، إلخ)، وقت (فالزمن مورد هام)، دعم سياسي للمهمة (رسائل الملك للولاة عبر النهر لتسهيل مهمة نحميا، كذلك قرار الملك بتعيينه والياً لليهودية بما يعطي مهمته الشرعية والصلاحيات).
نظم إدارة Systems Management: إستخدام هذه الموارد كلها كان يحتاج الي نظم عمل تساعد نحميا علي توظيف كل الموارد بشكل متناسق ومتكامل حتي يتمم إرساليته. فما هي نظم الموارد التي إستعان بها؟
إدارة المعلومات: إستخدام المعلومات وإدارتها لتحقيق كل مرحلة من مراحل الخطة يظهر بشكل واضح جداً في كل سفر نحميا: في تقدير إحتياجات السور قبل أن يبدأ أي بناء (2: 11 – 16)؛ في تسجيل أسماء كل العاملين في بناء السور وأدوارهم في البناء (3: 1 -33) ؛ عمل إحصاء لحصر الشعب قبل بداية عملية التسكين لحفظ الأنساب وتنظيم الخدمة (ص 7 : 5 – 70) ؛ تسجيل أسماء الذين ختموا عهد التوبة والرجوع (10: 1 – 28)؛ تسجيل وتسكين سكان أورشليم وما حولها، بإستخدام القرعة كطريقة عادلة لعلاج إحجام البعض عن السكن داخل أورشليم) (11: 1 – 36 )؛ توزيع العمل وتسمية الكهنة واللاويين والمغنيين والبوابين المسؤلين، كذلك رؤساء العشائر (12: 1 – 36).
إدارة الموارد البشرية (كهنة وخدام ومتطوعين من الشعب): ص 2 – 12
كان نحميا قائداً موهوباً في تعبئة وتحفيز الشعب والإحساس بالمسؤلية (2: 17 – 18)، وإشراك الكل في العمل (ص 3)، ومقاومة دعاوي الإحباط في وسطهم (4: 4 – 6)، وتوزيع المسؤليات بين العمل والحراسة (4: 15 – 17 )، ومتابعة وتوجيه العمل (4: 18 – 23)، وتقديم نفسه كقدوة (القيادة بالقدوة) (5: 14 – 19)، تكوين كوادر جديدة وصف ثان (7: 1 – 3)، وتفويض السلطة وإعطاء صلاحيات (12: 44 – 47)، وفي هذا كله لم يغب عنه الإهتمام بالبناء الروحي للشعب (ص 9)، جنباً الي جنب مع البناء المؤسسي والتشريعي (ص 10 – 13).
إدارة موارد مادية ومالية: (ص 2 – 4)
فمهارة نحميا تظهر أيضاً في جلب الأخشاب التي إحتاجها للسور وللبيت ، وفي إدارة عمليات بناء السور (ص 3)، وأستخدام المواد اللازمة للترميم أو إعادة البناء، وفي توزيع الأسلحة والأحمال والأبواق لحماية عملية البناء من تهديدات الأعداء، وفي إستخدام الأموال اللازمة لهذا كله. ما كان ممكناً أن تنجح هذه الملحمة بدون نظام واضح ومنضبط لإدارة هذه الموارد.
إدارة الأزمات: ص 4 – 6
نوعان من الأزمات مر بها نحميا (خارجية وداخلية)، ونجح فيهما بإمتياز، إذ وضع نظاماً لكيفية التعامل مع الأزمات وطبقه فتعامل مع الأزمة بنجاح، وحمي شعبه وإرساليته. وقد واجهها نحميا بإستراتيجية ثلاثية: مع الله بالصلاة؛ ومع الجبهة الداخلية بالتشجيع والترابط والحراسة المستمرة، كذلك بمصارحة وتوجيه المخطين ؛ ومع الجبهة الخارجية بالمواجهة الحكيمة والحذر والشجاعة والثبات؛ وفي جميع الأحوال قدم نفسه قدوة.
المتابعة والتقويم: ومع كل هذا لم ينس نحميا أن يتابع بنفسه العمل، فبعد عودته الي بابل، بعدما سلًم قيادة العمل للصف الثاني، قرر أن يرجع مرة أخري الي أورشليم ليتابع العمل ويتدخل لتقويم وتصحيح بعض الإنحرافات التي حدثت. (ص 13: 6 – 8)
ثمار (نتائج) : ثلاثة أنواع من النتائج:
1. إكتمال بناء السور (النتيجة المباشرة، مخرجات Outputs): (6: 15 )
وبذلك تحقق الهدف الأول لنحميا في فترة قياسية، وكان نجاحة مثار إندهاش الأعداء والأصدقاء، وفرح كل الشعب.
2. تغيير نوعي في حياة الشعب (مردودات – النتيجة غير المباشرة Outcomes) (ص 7 – 13):
– إتجاهات وسلوك الشعب (توبة وإعتراف جماعي وتجديد العهد)
– نظام الحياة والخدمة (إصلاح شامل: تنظيمي وتشريعي ومؤسسي شمل الآتي: قراءة الشريعة والإحتفال بعيد المظال – إعادة التسكين في أورشليم بالقرعة – تنظيم عمل الكهنة واللاويين – إعادة تقديم العشور – تقديس السبت – منع الزواج من أجنبيات – إلخ).
وبذلك تحقق الهدف الإستراتيجي (الأصعب) لنحميا والذي إستغرق حوالي 12 سنة عبر رحلة طويلة من التحديات، والنجاح والفشل.
3. العودة لأورشليم وإعداد اليهود لإستقبال المخلص (الأثر بعيد المدي Long term Impact ): (مل 4: 5) (إشارة الي مجئ يوحنا المعمدان يهيئ الطريق للمسيح).
هذا الأثر بعيد المدي تجاوز تخطيط نحميا نفسه، إذ إستخدم الله نحميا كجزء من تدبيره الإلهي للخلاص بإرجاع الدفعة الأخيرة من المسبيين لتعمير أورشليم تمهيداً لإستقبال المخلص المسيح بعد 400 سنة. ويلاحظ أن ملاخي النبي (آخر أنبياء العهد القديم) والذي عاصر نحميا، سجل نبوته عن مجيئ المسيح، ومجيئ يوحنا المعمدان قبله لكي يهيئ الطريق قدامه. فكأن الله إستخدم ملاخي النبي ونحميا القائد – كلٌ بموهبته ووزنته – لإعداد الشعب كجزء من خطة الخلاص الإلهي.
عناصر الكنيسة المهدفة المثمرة
الكنيسة المهدفة المثمرة النامية، والتي تدار بمنظومة متكاملة، يمكن وصفها في العناصر التالية:
1. كنيسة لها رؤية واضحة (أي صورة مستقبلية مثالية تحلم بها/تتطلع اليها الكنيسة لشعبها بإستمرار)،
2. ولها رسالة محددة (توضح كيف ستحقق الكنيسة هذه الرؤية في خدمتها لشعبها)،
3. ولها هدف رئيسي تسعي بإستمرار اليه لكل عضو في شعبها،
4. وتقوم علي الركائز الرسولية التي أسسها الآباء الرسل، فتستمد حياتها وقوتها منها،
5. وتدبر خدماتها وفق إستراتيجيات التدبير الكنسي الثلاثة: روحي ورعوي وإداري،
6. وتدير منظومة خدماتها من خلال:
– الأنشطة والخدمات التي تقدمها
– الموارد والوزنات التي تستخدمها
7. وبالتالي تتمتع بثمار ونتائج متنامية:
– مخرجات مباشرة (نتائج تنفيذ الأنشطة)،
– مردودات لاحقة (نتائج غير مباشرة تظهر في التغيير الإيجابي في سلوكيات الخدام والمخدومين، وفي تطوير نظم الخدمة)،
– وأثر بعيد المدي هو النتيجة النهائية من كل المنظومة (وهو تحقيق الرؤية الخلاصية لكل عضو)
وقد رسم الكتاب المقدس صورة كتابية بديعة للكنيسة المثالية، والتي يمكن وصفها في الرسم التالي:
الصورة الكتابية لكنيسة مثالية “مهدفة، مثمرة، نامية”
الملامح الكتابية للكنيسة المثالية
رؤيتها (Vision): جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ (1 تي 2: 4)
رسالتها (Mission): الَّذِي نُنَادِي بِهِ مُنْذِرِينَ كُلَّ انْسَانٍ، وَمُعَلِّمِينَ كُلَّ انْسَانٍ، بِكُلِّ حِكْمَةٍ، لِكَيْ نُحْضِرَ كُلَّ انْسَانٍ كَامِلاً فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ (كو 1: 28)
غرضها (الهدف الرئيسي) (Goal): إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِلٍ. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ (أف 4: 13)
ركائزها الرسولية (Apostolic Pillars): و كَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ وَالشَّرِكَةِ وَكَسْرِ الْخُبْزِ وَالصَّلَوَاتِ (أع 2: 42):
العبادة (الليتورجية)
الشركة (الكينونية)
الخدمة (الدياكونية)
التعليم بالكلمة (الكريجما)
الشهادة (المارتيرية)
التدبير (الإيكونومية)
إلتزاماتها الأساسية (الجوهرية): (Core Commitments ) :
– الوصية العظمي (Greatest Commandment): “فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. هَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى. وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. بِهَاتَيْنِ الْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ النَّامُوسُ كُلُّهُ وَالأَنْبِيَاءُ» (مت 22: 37- 40)
– الإرسالية العظمي (Greatest Commission ) “فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ» (مت 28: 19-20)
إستراتيجياتها (Strategies): كيف تحقق الكنيسة رؤيتها ورسالتها وهدفها ؟ وذلك من خلال التدبير الكنسي الثلاثي المجالات وهي:
– التدبير الروحي (ويستهدف خلاص النفس الواحدة – كل نفس) وهذا هو الدور الرئيسي لمجمع الآباء الكهنة.
– التدبير الرعوي (ويستهدف المجموعات العمرية والفئوية في الكنيسة – كل الفئات)، وهو الدور الرئيسي لأمانة الخدمة (كتائب الخدام والخدامات في قطاعات الخدمة المتنوعة) تحت الإشراف والقيادة الروحية للأباء الكهنة.
– التدبير الإداري (ويستهدف منظومة الخدمة في الكنيسة بشكل مؤسسي) وهو الدور الرئيسي لمجالس الكنائس (الموظفين والإداريين وللجان الفنية بالكنائس)، وتقدم المجالس تقاريرها للأب مدبر الكنيسة.
أساليبها وأدواتها في تنفيذ إستراتيجاتها (أدوات وأساليب الخدمة) (Service Tools): في الفكر الأرثوذكسي، تستخدم الكنيسة أدوات كثيرة في مجالات التدبير الثلاثة:
أدوات التدبير الروحي: وتشمل الأبوة الروحية، الحياة الكنسية (الأسرار)، التلمذة والتسليم، الإفتقاد والعمل الفردي؛ وهي الأدوات الأساسية التي يستخدمها الأب الكاهن.
أدوات التدبير الرعوي وتشمل الزخم الهائل من الأنشطة الرعوية للكنيسة للمجموعات المتنوعة، وتشمل علي سبيل المثال: التعليم الديني، التربية الكنسية، النهضات والمؤتمرات الروحية، خدمة إخوة الرب – رعاية الفئات الخاصة – الأسرة – الطفولة – الشباب – الكشافة – البرامج/المشروعات التنموية، إلخ. وهذه هي الأدوات الأساسية التي يستخدمها كتائب الخدام والخادمات تحت الإشراف الروحي للآباء الكهنة.
أدوات التدبير الإداري: وتشمل التخطيط الإستراتيجي، إدارة الموارد البشرية، إدارة الموارد المالية، إدارة الموارد المادية، إدارة المشروعات الكنسية (الإنشائية والخدمية والإنتاجية)، إدارة المعلومات، إدارة العلاقات، من خلال الإدارة الرشيدة. وهذه هي الأدوات التي يستخدمها المجالس ولجان الكنائس والموظفين والإداريين لتحقيق رسالة الكنيسة، ويقدمون تقاريرهم للأب مدبر الكنيسة.
تدبير منظومة خدمتها أي إستثمار وتشغيل كل الموارد المتنوعة التي تملكها الكنيسة (بشرية، ومادية، ومالية، ومعلوماتية، إلخ) من أجل الإثمار بها. وهذه المنظومة تشمل “مدخلات” يتم تشغيلها من خلال “عمليات الإدارة المختلفة”، لتؤدي الي نتائج متنوعة “ثمار”. فمنظومة الخدمة إذاً هي “غرس” و”فِلاحة” ثم “حصاد”.
مدخلات (الغرس) inputs = والمقصود بها وزنات الكنيسة أي مواردها البشرية (الإكليروس والخدام وكل الشعب)، والمالية (التبرعات والأصول السائلة) والمادية (المباني والمرافق الكنسية وأصول الكنيسة)، والمعلوماتية (مثل بيانات العضوية الكنسية).
عمليات (أنشطة) Activities/Processes (الفلاحة) = أنشطة تشغيل كل الموارد. والمقصود بها عمليات إدارة أو تشغيل الموارد المختلفة (مثل إدارة الموارد البشرية من إختيار وتدريب ومتابعة وتقويم الخدام إلخ)، كذلك إدارة الموادر المالية (بكل مكوناتها الفنية وعادة ما تكون نظم رقمية علي الحاسب الآلي)، وإدارة نظام المعلومات (برامج متطورة في لتسجيل وتحديث العضوية الكنسية، إلخ).
نتائج (ثمار) (Results) (الحصاد) = ثمار الخدمة المتنوعة (المخرجات والمردودات والأثر بعيد المدي).
ثمارها وبجسب نموذج الإدارة بالنتائج (Results Based Management):
المخرجات المباشرة Outputs : وهي عادة ترتبط بأعداد المستفيدين من الحضور والمشاركة في الخدمات والأنشطة الكنسية.
المردوات Outcomes : وهي عادة ترتبط بالتغيير النوعي في إتجاهات وسلوكيات ونمط حياة المشاركين في أنشطة وخدمات الكنيسة والذي يحدث نتيجة الخدمات والأنشطة (الثمر الروحي الذي يختبره كل عضو في الكنيسة: حياة التوبة والنقاوة والتقوي)
الأثر النهائي : Impactوهو ما يحقق رؤية ورسالة الكنيسة
وهكذا تكتمل المنظومة كلها معاً بشكل مُهدًّف في إتجاه تحقيق الغرض الأسمي للكنيسة في حياة كل إنسان فيها.
الخلاصة
خدمة غير مُهدَّفَة، هي خدمة بلا نمو ولا ثمر.
“تهديف الخدمة” أو “الإدارة بالثمر” هو منهج روحي كتابي، يحقق وصية السيد المسيح في حتمية الإثمار، إذ يرُكز المُدبِّر فيه علي التغيير الروحي والسلوكي الذي يحدث في حياة الشعب والكنيسة أكثر من إهتمامه بالأنشطة والمشروعات والبرامج، وشعاره ” مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ” (مت 7:20).
السيد المسيح وضع أسس إدارة الخدمة كمنظومة متكاملة (تخطيط – تنفيذ ومتابعة – تقييم). وهي نفس الأدوات التي يستخدمها الأب الأسقف في تدبير خدمته الجليلة.
الخدمة المهدفة تعني خدمة تقودها رؤية، وتلهمها رسالة، وتوجهها أهداف محددة، تُتَرجَم لخطة عمل، ترسم الأنشطة التي يجب أن تُنفذ من أجل أن تؤتي الثمار (النتائج). وقصة نحميا تقدم نموذج رائع لكيفية تنفيذ هذه المنظومة.
الصورة الكتابية للكنيسة المثالية تستند الي رؤية خلاصية لجميع الناس، ورسالة كرازية لكل إنسان، وركائز رسولية لحياتها الكنسية، وإلتزام جوهري بالوصية العظمي والإرسالية العظمي، وإستراتيجة ثلاثية لتدبير خدمتها (روحياً ورعوياً وإدارياً)، تستخدم أدوات وموارد متنوعة للخدمة، في منظومة متكاملة (مدخلات – عمليات – نتائج)، تؤتي ثمارا نهائية تحقق رؤية ورسالة الكنيسة وغاية وجودها.