المواهب والفضائل
من أصحاح (12 – 16) الوصايا العملية فى رسالة رومية
(1) تقديس الجسد والعقل للحياة الروحية مع الله (ع 1-2):
1فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ، أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ. 2وَلاَ تُشَاكِلُوا هَذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِىَ إِرَادَةُ اللهِ الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ.
ع1: يوجه بولس الرسول نظر المؤمنين، إلى أنهم بعدما عاملهم الله بكل رأفة، إذ قدم لهم الخلاص والفداء، يجب عليهم فى المقابل للحفاظ على تلك النعم الجزيلة أن يقدم المؤمن كل أعضائه لصنع الخير والبر والقداسة، ويذبح ويطرد كل شهوة شريرة تخالفها، وأن يشترك الفكر فى تسبيح الله وعبادته.
ع2: لا ينبغى أن يتشبه المؤمن بأهل العالم. فكم يقدم العالم من سلوكيات أو عادات تخالف وصية المسيح، بل ويتجاسر ويتهم الكنيسة وأولادها بالانغلاق والرجعية. لذا لا يجب علينا مجاراة أو إرضاء أهل العالم، بل فليستنر ذهننا وفكرنا كل يوم بأفكار الكتاب المقدس، لندخل من عمق إلى عمق فى الحياة الروحية، ونصير أكثر اقترابًا وتفهمًا لمشيئة الله الصالحة فى حياتنا، فينعكس ذلك على سلوكنا الخارجى (شكلكم).
?إعلم إنك وإنت كنت تعيش فى العالم لكن مبادئك مختلفة عنه. فلا تشاركه فى أخطائه، وإن كنت قد انسقت معه فى بعض التصرفات الغير سليمة، فأنت محتاج للتوبة وتجديد ذهنك، فتحيا لمحبة الله. كن قوياً فى قطع الخطية وكل ما يوصلك إليها، لتحيا منشغلاً بمحبة الله.
(2) أنواع المواهب فى الكنيسة (ع 3-8):
3فَإِنِّى أَقُولُ، بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِى، لِكُلِّ مَنْ هُوَ بَيْنَكُمْ: أَنْ لاَ يَرْتَئِىَ فَوْقَ مَا يَنْبَغِى أَنْ يَرْتَئِىَ، بَلْ يَرْتَئِىَ إِلَى التَّعَقُّلِ، كَمَا قَسَمَ اللهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِقْدَارًا مِنَ الإِيمَانِ. 4فَإِنَّهُ كَمَا فِى جَسَدٍ وَاحِدٍ لَنَا أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلَكِنْ لَيْسَ جَمِيعُ الأَعْضَاءِ لَهَا عَمَلٌ وَاحِدٌ، 5هَكَذَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِى الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاءٌ بَعْضًا لِبَعْضٍ كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ. 6وَلَكِنْ لَنَا مَوَاهِبُ مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ النِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَنَا: أَنُبُوَّةٌ فَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الإِيمَانِ، 7أَمْ خِدْمَةٌ فَفِى الْخِدْمَةِ، أَمِ الْمُعَلِّمُ فَفِى التَّعْلِيمِ، 8أَمِ الْوَاعِظُ فَفِى الْوَعْظِ، الْمُعْطِى فَبِسَخَاءٍ، الْمُدَبِّرُ فَبِاجْتِهَادٍ، الرَّاحِمُ فَبِسُرُورٍ.
ع3: يبدأ القديس بولس بشرح أسلوب الخدمة وأنواع المواهب فى الكنيسة، ليس كمن يتكلم من نفسه، بل بإرشاد الروح القدس فى داخله.
?يا ليت الخادم دائماً يتكلم بعدما يصلى ليستشير الله، ولا يندفع فى الكلام معتمداً على معلوماته.
ثم يقول القديس بولس ينبغى أن لا يرتئى المؤمن، أى لا يرى فى نفسه أنه ذو قدرات عظيمة بغرور أكثر من حقيقته، بل يرى نفسه على حقيقتها ليدرك ماذا وهبه الله من موهبة ليعمل بها بإيمان. إذ أن عمل الخدمة مبنى أساساً على الثقة فى عمل الله مهما كانت إمكانيات الإنسان ضعيفة.
ع4-5: إلهنا إله نظام، جعل أفراد كنيسته كأعضاء الجسد الواحد، كل واحد له دور محدد ووظيفة محددة مختلفة عن الآخر ولكن مكملة له. والمواهب المعطاة لكل عضو فى الكنيسة هدفها خدمة الآخرين وليس التفاخر الشخصى.
ع6: نعمة الروح القدس تحدد بحكمة شديدة لكل فرد الموهبة التى سيأخذها بحسب استعداده الشخصى لتقبلها. ولم تقسم المواهب إلى أنواع عظيمة وأنواع بسيطة، لأن الكنيسة تحتاج لكل المواهب بنفس الأهمية، فلا يجب أن ينظر أحد إلى موهبة أخيه فيشتهيها. وهذه المواهب هى:
أولا النبوة: هى كشف الأسرار السماوية وأحداث المستقبل، ومن أشهر هذه النبوات سفر الرؤيا للقديس يوحنا الحبيب. وهذه الموهبة يعطيها الروح القدس إذا وجد الإيمان فى الناطق والمستمع.
وفى العهد الجديد، المستقبل هو ملكوت السموات، فالتحدث عنه أى عن علاقتنا بالله وكيف يملك على حياتنا استعداداً للأبدية هو معنى آخر للنبوة.
ع7: ثانياً الخدمة: وهذه تختلف عن الخدمات الإجتماعية بأنها أساساً لها هدف سامى، وهو الوصول بالمخدوم إلى السيد المسيح.
ثالثاً التعليم: وهو غير التنبؤ، إذ أنه شرح وتبسيط الحقائق الإيمانية والأمور اللاهوتية، حتى يفهمها المخدوم البسيط.
ونلاحظ أنه على كل مؤمن أن يلتزم بموهبته، ولا يتعدى مجالها إلى مجال موهبة أخرى. لذلك يكرر القديس بولس قوله، الموهبة فى نفس نوع الموهبة مثل “الخادم ففى الخدمة”.
ع8: رابعاً الوعظ: وهو نصح الآخرين وإرشادهم كيفية السلوك فى طريق الفضيلة والتصرف اللائق كأولاد الله. إذاً فالمعلم يخاطب العقل بينما الواعظ يخاطب القلب والإرادة، ليدفعا الجسد والنفس للسلوك الروحى المقدس.
العطاء: يتحدث عن الفضائل التى يود أن كل المؤمنين يتمتعون بها، بعكس المواهب المعطاة للبعض فقط. والفضائل ضرورية لخلاص الإنسان أما المواهب فلخدمة الكنيسة. والعطاء فى مفهوم العالم مقرون بانتظار المقابل من أجرة أو مكافأة، أما العطاء الكنسى فهو بسخاء أى بكثرة ولا ينتظر مقابل، حتى أن الإنسان يقدم نفسه كلها للآخرين.
ويعود ثانياً للمواهب فيتحدث عن:
خامساً التدبير باجتهاد: والتدبير هو تنظيم وترتيب وتوزيع المسئوليات بالخدمة، وإرشاد وتوجيه ومساندة الكل. ولماذا الإجتهاد؟ لأن الأمور الكنسية لابد أن تؤخذ بجدية وعمق وتفكير حكيم غير متسرع أو سطحى. والمدبر يجتهد، أى لا يكتفى بدور المستشار، بل يعمل على أرض الخدمة بيديه ويشارك الآخرين فى أعمالهم وأتعابهم.
ثم يواصل حديثه الطويل عن الفضائل فيكلمنا عن الرحمة، وهى فى مفهوم العالم إعفاء المخطئ من العقاب فقط، اما الرحمة الروحية فهى سرور أى إظهار الحب والود والتسامح القلبى للمخطئ، وقبوله كعضو حى فعال خادم فى الكنيسة.
?إن كنا أعضاء فى جسد واحد، فليتك تقدر خدمة كل إنسان مهما بدت صغيرة، وشجعه بكلمات طيبة. وفى نفس الوقت لا تستهن بأى عمل صغير تقدمه، واثقاً أن الله يهتم به. وإن كنت تقوم بخدمة كبيرة فلا تستكبر لأنها نعمة معطاة لك لأجل الآخرين، لئلا يسحبها الله منك مهما كنت موهوباً حتى يخلصك من كبريائك.
(3) الفضائل فى المجتمع المسيحى (ع 9-21):
9اَلْمَحَبَّةُ فَلْتَكُنْ بِلاَ رِيَاءٍ. كُونُوا كَارِهِينَ الشَّرَّ مُلْتَصِقِينَ بِالْخَيْرِ، 10وَادِّينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ، مُقَدِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِى الْكَرَامَةِ، 11غَيْرَ مُتَكَاسِلِينَ فِى الاِجْتِهَادِ، حَارِّينَ فِى الرُّوحِ، عَابِدِينَ الرَّبَّ، 12فَرِحِينَ فِى الرَّجَاءِ، صَابِرِينَ فِى الضَِّيْقِ، مُواظِبِينَ عَلَى الصَّلاَةِ، 13مُشْتَرِكِينَ فِى احْتِيَاجَاتِ الْقِدِّيسِينَ، عَاكِفِينَ عَلَى إِضَافَةِ الْغُرَبَاءِ. 14بَارِكُوا عَلَى الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ. بَارِكُوا وَلاَ تَلْعَنُوا. 15فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ. 16مُهْتَمِّينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ اهْتِمَامًا وَاحِدًا، غَيْرَ مُهْتَمِّينَ بِالأُمُورِ الْعَالِيَةِ، بَلْ مُنْقَادِينَ إِلَى الْمُتَّضِعِينَ. لاَ تَكُونُوا حُكَمَاءَ عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ. 17لاَ تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ. مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ قُدَّامَ جَمِيعِ النَّاسِ. 18إِنْ كَانَ مُمْكِنًا، فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ النَّاسِ. 19لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، بَلْ أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «لِىَ النَّقْمَةُ، أَنَا أُجَازِى يَقُولُ الرَّبُّ. 20فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هَذَا، تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ.» 21لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ، بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ.
ينتقل هنا الرسول بولس إلى الفضائل التى يجب أن يتميز بها المجتمع المسيحى وهى:
ع9: المحبة: كم من علاقات فى هذا العالم تندرج تحت عنوان المحبة مثل: المحبة العاطفية بالكلام فقط دون أى بذل، المحبة المنتظرة المقابل لأجل مصلحة شخصية أو منفعة. وكل هذه بالقطع غير مقبولة أمام الله ولذلك سُميت بالمحبة المرائية.
أما المحبة الحقيقية بلا رياء، فهى التى تنبع من القلب بالبذل بلا حدود، وتلك لها مكافأة جزيلة من عند الله؛ والذى عنده تلك المحبة يجد نفسه كارهاً لكل شر. فنحن لا نستطيع أن نفعل الشر إلا لمن نكرهه، وعندما نحب شخصاً، نجد أننا نصنع كل الخير الممكن له بتلقائية عجيبه. لذلك صارت المحبة متلازمة مع فعل الخير.
ع10: الود : وهو غير (المجاملة) التى للعالم، الذى يجامل بعضه بعضاً بأساليب مختلفة كلها شكلية، أما الود الحقيقى فهو النابع من القلب المحب، مظهراً نفسه فى صورة تقديم وتكريم للآخر. وكلمة وادين تعنى أن نبادر نحن بالود للآخرين فلا نكون مستقبلين فقط للود.
ع11: علينا الاجتهاد: لاكتساب الفضائل، وعندما يرى الله جهادنا يكافئنا بحرارة روحية وحماس فى علاقتنا معه فنعبده بصدق. والعكس صحيح أيضاً فعندما نعبد الرب ونصلى له كثيراً، تشتعل حرارة الروح فينا وتلك تؤدى بنا إلى الاجتهاد فى الأمور الروحية والفضائل العملية دون تكاسل.
ع12: الصبر والرجاء أثناء الضيق: فى مسيرتنا نحو الأبدية تعترضنا ضيقات كثيرة هدفها تعطيلنا وتجريحنا واسقاطنا، لذلك يقدم القديس بولس الحل وهو الفرح بالرجاء، أى النظر إلى المجد العتيد أن يستعلن فينا. فالضيقة هى مجالنا للربح وكسب المكافأة السمائية، إذا نجحنا وواظبنا على الصلاة، وكأننا نقول لا شئ يفصلنا عن محبة المسيح، فنجد معونة وقوة كبيرة من الله تسندنا.
ع13: العطاء للمحتاج والغريب: ويا لجمال اللقب الذى أطلقه القديس بولس على الفقراء، فهم القديسون لما يحتملونه من صعوبة العيش وظلم الأغنياء وقسوه المتكبرين عليهم، ويعنى أيضاً بالقديسين المؤمنين المقدسين فى المسيح. وكلمة مشتركين معناها أن كل عضو فى الجسد لابد أن يشارك فى هذه الخدمة لأخوه المحتاج. ولذلك عاشت الكنيسة الأولى حياة تسمى “حياة الشركة”، حيث لم تكن هناك أى فروق طبيعية، فالكل شبعان.
عاكفين على إضافة الغرباء: وكلمة عاكف تعنى الاهتمام المستمر بهؤلاء الغرباء. والغرباء ليسوا فقط المحتاجين للعناية بهم مادياً، بل أيضاً نفسياً، فكثيرون يعانون من العزلة والإحساس بالوحدة، إما لانشغال الناس عنهم أو لانتقالهم من بلد إلىأخرى، ويحتاجون لمن يظهر لهم الإهتمام والمحبة.
ع14: مباركة المسيئين : هنا القديس بولس يصعد بنا رويداً رويداً على قمة جبل الوصايا، وهو التعامل مع المسيئين. وقد تكون وصيته لا تلعنوا مقبولة، ولكن كيف أبارك وأدعو بالخير لمن يضطهدنى ويظلمنى ويسلب حقوقى؟!! والإجابة هى أن الخطية ضعف فمن يضطهدنى قد سقط تحت يد إبليس، فيلزم أن أصلى لأجله حتى ينقذه الله، والدعاء له يحول قلبه ليصير عضوًا مثلنا فى الكنيسة، مثلما حدث مع القديس بولس نفسه.
وأبارك المضطهد، لأن اضطهاداته ستؤول إلى نياشين على صدرى أمام المسيح. ففى الحروب قديماً كان الجندى الشجاع يشعر بالفخر إزاء جراحاته وأعضائه المبتورة، تلك التى تحمَّلها بشرف.
والخلاصة نشفق على المسيئين لأن الخطية ضعف، ونقبل الضيقة من يد الله فهى لخيرنا، ونفيض بالحب الإلهى الساكن فينا فنباركهم ونصلى لأجلهم.
ع15: ثم يوجهنا القديس بولس إلى مشاركة الآخر فى فرحه، أى أفرح له من قلبى بلا غيرة وبلا حسد، ويجب أن تكون مشاركتى فى مظاهر فرحه فى حدود لا تحزن روح المسيح الساكن فىًّ. وإن كان الإنسان فى العالم اليوم يرفض مشاركة الآخر فى حزنه لأنه ببساطة لا يستطيع أن يحتمل الآخر أو حتى يستمع إلى أحزانه وهمومه، فالإنسان الروحى هو دائماً صدر حنون، وأذن مصغية ولسان لطيف معزى.
ع16: الاتضاع: شركتنا بعضنا البعض فى الفرح والحزن تصيرنا جسداً واحداً ولنا اهتمام واحد وهو الحياة الأبدية، غير مهتمين بأمور العالم المادية وتعظم المعيشة (الأمور العالية)، بل تجعلنا ننقاد إلى المتضعين أى نتمثل بالقديسين المتضعين ونقتدى بهم.
ومن فضائل المتواضع أنه يسمع ويتعلم ويطيع ويخضع، أما المتكبر الحكيم فهو الذى يسير بحسب أهوائه الشخصية وآرائه، غير خاضع للمرشدين أو الكهنة أو الكنيسة ولا حتى الله نفسه. فالحكمة الحقيقية هى فى الخضوع لله والمرشدين، أما الحكيم فى عينى نفسه فهو المتكبر، فتكون حكمته زائفة ومجرد ذكاء أو معلومات ولكن لا يستطع أن يتصرف حسنا لأن الحكمة هى التصرف الحسن.
ع17: لغى السيد المسيح فكرة مجازاة الآخر بالمثل، أى الشر بالشر لأن طبيعته أصبحت المحبة لكل أحد حتى من يسيئون إليه؛ وليس ذلك فقط بل على المسيحى ألا يكون سبب عثرة بأى تصرف خاطئ منه أمام الناس، بل يكون دائما متصرفا بلياقة وأدب ولطف لكى يرى العالم صورة أولاد الله الحسنة فيمجدوه.
ع18: سالموا: تعنى أن أسعى أنا كمسيحى لصنع السلام، وهو الصلح بقلب صافى مع جميع الناس بمبادرة منى، ولا انتظر أن يأتينى الآخر. فصانع السلام هو إنسان إيجابى ليس ضعيفا أو مستكينا.
ولماذا قال القديس بولس “على قدر طاقتكم”؟
لأنه يوجد أناس قد يرفضون صنع السلام معى بلا أى سبب منى لمجرد أننى مسيحى أو لأى شر فى قلوبهم، وهنا أكون بريئا من هذا الخصام الذى هو من جهتهم فقط، أما قلبى فمفتوح للحب لهم وإن كانوا هم يصرون على مقاطعتى.
ع19: لاشك أن النفس المظلومة تحارب بالغضب والرغبة فى الإنتقام، وهنا يوجه القديس بولس، كطبيب حكيم، المؤمن إلى طريقة صحية نفسيا وروحياً لتصريف هذا الغضب وتلك الرغبة فى الانتقام بقوله، إعطِ مكاناً للغضب الإلهى، فاجعل الله يغضب بدلاً منك وفى غضبه سينتقم لك، لأن الله عادل وهو الوحيد الذى له حق المجازاة لأنه بلا خطية. فنترك الله الأب الحكيم ليؤدب ويعلم أولاده الصلاح، أما أنا فأصلى لأجل الذين أساءوا إلى، وبهذا ينتهى حقدنا على الظالم، ولن يكون هناك مجال للشماته فيه إذا ما امتدت يد الله لتؤدبه، بل بالعكس هو هنا فى موضع يدعو للشفقة عليه من انتقام الله.
ع20: لذلك إذا علمت أن عدوك جوعان ومحتاج إعطه وساعده، أو عطشان فاروه. وبذلك ستضطره إلى الخجل من نفسه، وسيراجع ضميره ويوبخ نفسه ويتوب، وكأنك بمحبتك وضعت ناراً تحرق فى رأسه أفكاره الخاطئة من نحوك فيعود ويحبك.
ع21: تلك هى وسيلة الغلبة على الشر، ليس بالرد عليه بالشر بل بصنع الخير. فالمتكبر نغلبه باتضاعنا، والغضوب بكلامنا اللين، والسارق باحتوائنا له.
?أنت أيها الحبيب مدعو لاقتناء كل هذه الفضائل لتصير بالحقيقة إبناً لله، وخلاصتها أن تحب كل إنسان وتشعر باحتياجه وتسعى لمساعدته. وعلى قدر محبتك العملية تنال سلاماً داخلياً وبركة من الله فى كل خطواتك.